ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب (1) يعنى بذلك: أن الله أعطاه منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها منازل الملوك.
وقد همز بعضهم السورة من القرآن وتأويلها في لغة من همزها: القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت، وذلك أن سؤر كل شئ البقية منه تبقى بعد الذي يؤخذ منه، ولذلك سميت الفضلة من شراب الرجل يشربه ثم يفضلها فيبقيها في الاناء " سؤرا ". ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة يصف امرأة فارقته فأبقت في قلبه من وجدها بقية: فبانت وقد أسأرت في الفؤاد * صدعا على نأيها مستطيرا (2) وقال الأعشى في مثل ذلك:
بانت وقد أسأرت في النفس حاجتها * بعد ائتلاف وخير الود ما نفعا (3) وأما الآية من القرآن فإنها تحتمل وجهين في كلام العرب:
أحدهما: أن تكون سميت آية لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشئ يستدل بها عليه، كقول الشاعر:
ألكني إليها عمرك الله يا فتى * بآية ما جاءت إلينا تهاديا (4) يعني بعلامة ذلك. ومنه قوله جل ذكره: (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك) (5) أي علامة منك لإجابتك دعاءنا وإعطائك إيانا سؤلنا.
والآخر منهما: القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا بلغا هذا المعرض آية * أيقظان قال القول إذ قال أم حلم يعني بقوله آية: رسالة مني وخبرا عني. فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة بفصول ووصول.