كان بذلك المعنى فلا بد من دلالة فيه تدل على أن ذلك معناه، ولا دلالة تدل في قوله: ود كثير من أهل الكتاب أن المراد به واحد دون جماعة كثيرة، فيجوز صرف تأويل الآية إلى ذلك وإحالة دليل ظاهره إلى غير الغالب في الاستعمال.
القول في تأويل قوله تعالى: حسدا من عند أنفسهم.
ويعني جل ثناؤه بقوله: حسدا من عند أنفسهم أن كثيرا من أهل الكتاب يودون للمؤمنين ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم يودونه لهم من الردة عن إيمانهم إلى الكفر حسدا منهم وبغيا عليهم. والحسد إذا منصوب على غير النعت للكفار، ولكن على وجه المصدر الذي يأتي خارجا من معنى الكلام الذي يخالف لفظه لفظ المصدر، كقول القائل لغيره:
تمنيت لك ما تمنيت من السوء حسدا مني لك. فيكون الحسن مصدرا من معنى قوله:
تمنيت من السوء لان في قوله تمنيت لك ذلك، معنى حسدتك على ذلك. فعلى هذا نصب الحسد، لان في قوله: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا يعني: حسدكم أهل الكتاب على ما أعطاكم الله من التوفيق، ووهب لكم من الرشاد لدينه والايمان برسوله، وخصكم به من أن جعل رسوله إليكم رجلا منكم رؤوفا بكم رحيما، ولم يجعله منهم، فتكونوا لهم تبعا. فكان قوله: حسدا مصدرا من ذلك المعنى.
وأما قوله: من عند أنفسهم فإنه يعني بذلك: من قبل أنفسهم، كما يقول القائل:
لي عندك كذا وكذا، بمعنى: لي قبلك. وكما:
1482 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر [عن أبيه، عن الربيع بن أنس] قوله: من عند أنفسهم.
وإنما أخبر الله جل ثناؤه عنهم المؤمنين أنهم ودوا ذلك للمؤمنين من عند أنفسهم إعلاما منه لهم بأنهم لم يؤمروا بذلك في كتابهم، وأنهم يأتون ما يأتون من ذلك على علم منهم بنهي الله إياهم عنه.
القول في تأويل قوله تعالى: من بعد ما تبين لهم الحق.
يعني جل ثناؤه بقوله: من بعد ما تبين لهم الحق أي من بعد ما تبين لهؤلاء الكثير من أهل الكتاب الذين يودون أنهم يردونكم كفارا من بعد إيمانكم الحق في أمر محمد (ص)