الذي فيه من ذلك، نظير الذي في قول القائل الكرم للعنب، والعبد للمملوك، وذلك أن قول القائل عبد، لجميع عباد الله، فكره النبي (ص) أن يضاف بعض عباد الله، بمعنى العبودية إلى غير الله، وأمر أن يضاف ذلك إلى غيره بغير المعنى الذي يضاف إلى الله عز وجل، فيقال: فتاي. وكذلك وجه نهيه في العنب أن يقال كرم خوفا من توهم وصفه بالكرم، وإن كانت مسكنة، فإن العرب قد تسكن بعض الحركات إذا تتابعت على نوع واحد، فكره أن يتصف بذلك العنب. فكذلك نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقولوا راعنا، لما كان قول القائل راعنا محتملا أن يكون بمعنى احفظنا ونحفظك وارقبنا ونرقبك، من قول العرب بعضهم لبعض: رعاك الله بمعنى حفظك الله وكلأك. ومحتملا أن يكون بمعنى أرعنا سمعك، من قولهم: أرعيت سمعي إرعاء، أو راعيته سمعي رعاء أو مراعاة، بمعنى: فرغته لسماع كلامه. كما قال الأعشى ميمون بن قيس:
يرعى إلى قول سادات الرجال إذا * أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا يعني بقوله يرعى: يصغي بسمعه إليه مفرغه لذلك.
وكأن الله جل ثناؤه قد أمر المؤمنين بتوقير نبيه (ص) وتعظيمه، حتى نهاهم جل ذكره فيما نهاهم عنه عن رفع أصواتهم فوق صوته وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض وخوفهم على ذلك حبوط أعمالهم، فتقدم إليهم بالزجر لهم عن أن يقولوا له من القول ما فيه جفاء، وأمرهم أن يتخيروا لخطابه من الألفاظ أحسنها، ومن المعاني أرقها، فكان من ذلك قولهم: راعنا لما فيه من احتمال معنى أرعنا نرعاك، إذ كانت المفاعلة لا تكون إلا من اثنين، كما يقول القائل: عاطنا وحادثنا وجالسنا، بمعنى افعل بنا ونفعل بك. ومعنى أرعنا سمعك حتى نفهمك وتفهم عنا. فنهى الله تعالى ذكره أصحاب محمد أن يقولوا ذلك كذلك وأن يفردوا مسألته بانتظارهم وإمهالهم ليعقلوا عنه بتبجيل منهم له وتعظيم، وأن لا يسألوه ما سألوه من ذلك على وجه الجفاء والتجهم منهم له، ولا بالفظاظة والغلظة، تشبها منهم باليهود في خطابهم نبي الله (ص) بقولهم له: اسمع غير مسمع وراعنا. يدل على صحة ما قلنا في ذلك قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم فدل بذلك أن الذي عاتبهم عليه مما يسر اليهود والمشركين.
فأما التأويل الذي حكي عن مجاهد في قوله: راعنا أنه بمعنى خلافا، فمما لا