يعقل في كلام العرب لان راعيت في كلام العرب إنما هو على أحد وجهين: أحدهما بمعنى فاعلت من الرعية، وهي الرقبة والكلاءة. والآخر بمعنى إفراغ السمع، بمعنى أرعيته سمعي. وأما راعيت بمعنى خالفت، فلا وجه له مفهوم في كلام العرب، إلا أن يكون قرأ ذلك بالتنوين ثم وجهه إلى معنى الرعونة والجهل والخطأ، على النحو الذي قال في ذلك عبد الرحمن بن زيد، فيكون لذلك وإن كان مخالفا قراءة القراء معنى مفهوم حينئذ.
وأما القول الآخر الذي حكي عن عطية ومن حكى ذلك عنه، أن قوله: راعنا كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية، فاستعملها المؤمنون أخذا منهم ذلك عنهم فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاما لا يعرفون معناه ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم (ص)، ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي هي عند اليهود سب، وهي عند العرب: أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني. فعلم الله جل ثناؤه معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي (ص)، وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب، فنهى الله عز وجل المؤمنين عن قيلها للنبي (ص) لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه أن يخاطب رسول الله (ص) به. وهذا تأويل لم يأت الخبر بأنه كذلك من الوجه الذي تقوم به الحجة. وإذ كان ذلك كذلك فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا، إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره.
وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: لا تقولوا راعنا بالتنوين، بمعنى: لا تقولوا قولا راعنا، من الرعونة وهي الحمق والجهل. وهذه قراءة المسلمين مخالفة، فغير جائز لاحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين وخلافها ما جاءت به الحجة من المسلمين. ومن نون راعنا نونه بقوله: لا تقولوا لأنه حينئذ عامل فيه. ومن لم ينونه فإنه ترك تنوينه لأنه أمر محكي لان القوم كأنهم كانوا يقولون للنبي (ص): راعنا بمعنى مسألته إما أن يرعيهم سمعه، وإما أن يرعاهم ويرقبهم على ما قد بينت فيما قد مضى فقيل لهم: لا تقولوا في مسألتكم إياه راعنا. فتكون الدلالة على معنى الامر في راعنا حينئذ سقوط الياء التي كانت تكون في يراعيه. ويدل عليها أعني على الياء الساقطة كسرة العين من راعنا. وقد ذكر أن قراءة ابن مسعود: لا تقولوا راعونا بمعنى حكاية أمر صالحة لجماعة بمراعاتهم. فإن كان ذلك من قراءته صحيحا وجه