فنصب الحديد على العطف به على موضع الجبال لأنها لو لم تكن فيها باء خافضة كانت نصبا، فعطف بالحديد على معنى الجبال لا على لفظها، فكذلك ما وصفت من قوله: وبالوالدين إحسانا. وأما الاحسان فمنصوب بفعل مضمر يؤدي معناه قوله:
وبالوالدين إذ كان مفهوما معناه، فكان معنى الكلام لو أظهر المحذوف: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا. فاكتفى بقوله:
وبالوالدين من أن يقال: وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا، إذ كان مفهوما أن ذلك معناه بما ظهر من الكلام.
وقد زعم بعض أهل العربية في ذلك أن معناه: وبالوالدين فأحسنوا إحسانا فجعل الباء التي في الوالدين من صلة الاحسان مقدمة عليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن لا تعبدوا إلا الله، وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
فزعموا أن الباء التي في الوالدين من صلة المحذوف، أعني أحسنوا، فجعلوا ذلك من كلامين. وإنما يصرف الكلام إلى ما ادعوا من ذلك إذا لم يوجد لاتساق الكلام على كلام واحد وجه، فأما وللكلام وجه مفهوم على اتساقه على كلام واحد فلا وجه لصرفه إلى كلامين. وأخرى: أن القول في ذلك لو كان على ما قالوا لقيل: وإلى الوالدين إحسانا لأنه إنما يقال: أحسن فلان إلى والديه، ولا يقال: أحسن بوالديه، إلا على استكراه للكلام. ولكن القول فيه ما قلنا، وهو: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا وبالوالدين إحسانا، على ما بينا قبل. فيكون الاحسان حينئذ مصدرا من الكلام لا من لفظه كما بينا فيما مضى من نظائره.
فإن قال قائل: وما ذلك الاحسان الذي أخذ عليهم وبالوالدين الميثاق؟ قيل: نظير ما فرض الله على أمتنا لهما من فعل المعروف لهما والقول الجميل، وخفض جناح الذل رحمة بهما والتحنن عليهما، والرأفة بهما والدعاء بالخير لهما، وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوا بهما.
القول في تأويل قوله تعالى: وذي القربى واليتامى والمساكين.
يعني بقوله: وذي القربى وبذي القربى أن يصلوا قرابته منهم ورحمة. والقربى مصدر على تقدير فعلى من قولك: قربت مني رحم فلان قرابة وقربى وقربا بمعنى واحد.
وأما اليتامى فهم جمع يتيم، مثل أسير وأسارى ويدخل في اليتامى الذكور منهم والإناث.
ومعنى ذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وحده دون من سواه من الأنداد