والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك وأنه أولى بتأويل قوله: إلا أماني من غيره من الأقوال، قول الله جل ثناؤه: وإن هم إلا يظنون فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ظنا منهم لا يقينا. ولو كان معنى ذلك أنهم يتلونه لم يكونوا ظانين، وكذلك لو كان معناه: يشتهونه لان الذي يتلوه إذا تدبره علمه، ولا يستحق الذي يتلو كتابا قرأه وإن لم يتدبره بتركه التدبير أن يقال: هو ظان لما يتلو إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه لا يدري أحق هو أم باطل. ولم يكن القوم الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد (ص) من اليهود فيما بلغنا شاكين في التوراة أنها من عند الله. وكذلك المتمني الذي هو في معنى المتشهي غير جائز أن يقال: هو ظان في تمنيه، لان التمني من المتمني إذا تمنى ما قد وجد عينه، فغير جائز أن يقال: هو شاك فيما هو به عالم لان العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد، والمتمني في حال تمنيه موجود غير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه. وإنما قيل: لا يعلمون الكتاب إلا أماني والأماني من غير نوع الكتاب، كما قال ربنا جل ثناؤه: وما لهم به من علم إلا اتباع الظن والظن من العلم بمعزل، وكما قال: وما لاحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. وكما قال الشاعر:
ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب وكما قال نابغة بني ذبيان:
حلفت يمينا غير ذي مثنوية * ولا علم إلا حسن ظن بغائب