في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب. ويخرج ب إلا ما بعدها من معنى ما قبلها، ومن صفته، وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه، ويسمي ذلك بعض أهل العربية استثناء منقطعا لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد إلا عن معنى ما قبلها.
وإنما يكون ذلك كذلك في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان إلا لكن، فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول، ألا ترى أنك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ثم أردت وضع لكن مكان إلا وحذف إلا، وجدت الكلام صحيحا معناه صحته وفيه إلا؟ وذلك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني، يعني لكنهم يتمنون، وكذلك قوله: ما لهم به من علم إلا اتباع الظن لكن اتباع الظن، بمعنى: لكنهم يتبعون الظن، وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا.
وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ: إلا أماني مخففة، ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتح، والقرقور قراقر، وأن ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية، أعني من الأماني، كما جمعوا الأثفية أثافي مخففة، كما قال زهير بن أبي سلمى:
أثافي سفعا في معرس مرجل ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم وأما من ثقل: أماني فشدد ياءها فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتيح، والقرقور قراقير، والزنبور زنابير، فاجتمعت ياء فعاليل ولامها وهما جميعا ياءان، فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا ياء واحدة مشددة.
فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارئ في ذلك فتشديد ياء الأماني، لاجماع القراء على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف مستفيض، ذلك بينهم غير مدفوعة صحته، وشذوذ القارئ بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك وكفى خطأ على قارئ ذلك بتخفيفها إجماعها على تخطئته.
القول في تأويل قوله تعالى: وإن هم إلا يظنون.
يعني بقوله جل ثناءه: وإن هم إلا يظنون وما هم كما قال جل ثناؤه: قالت