وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة، ما قاله الربيع بن أنس والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم، من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل سماع موسى إياه منه ثم حرف ذلك وبدل من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه. وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان، وإيذانا منه تعالى ذكره عباده المؤمنين وقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى، فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم بالذي تخبرونهم من الانباء عن الله عز وجل عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه؟ وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه، وأمره ونهيه، ثم يبدله ويحرفه ويجحده، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق وهم لا يسمعونه من الله، وإنما يسمعونه منكم وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد (ص) ونعته ويبدلوه وهم به عالمون فيجحدوه ويكذبوا من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف. ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عنى بقوله:
يسمعون كلام الله يسمعون التوراة، لم يكن لذكر قوله: يسمعون كلام الله معنى مفهوم لان ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف. فخصوص المحرف منهم بأنه كان يسمع كلام الله إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له.
فإن ظن ظان إنما صلح أن يقال ذلك لقوله: يحرفونه فقد أغفل وجه الصواب في ذلك. وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود كانوا أعطوا من مباشرتهم سماع كلام الله تعالى ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل، ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك، فلذلك وصفهم بما وصفهم به للخصوص الذي كان خص به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره.
ويعني بقوله: ثم يحرفونه ثم يبدلون معناه، وتأويله: ويغيرونه. وأصله من