وروي عن ابن مسعود من قيله، خلاف ذلك كله، وهو ما:
60 - حدثنا به، أبو كريب، قال: حدثنا المحاربي، عن الأحوص بن حكيم، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الله أنزل القرآن على خمسة، أحرف: حلال، وحرام، ومحكم، متشابه، وأمثال. فأحل الحلال وحرم الحرام، واعمل بالمحكم، وآمن بالمتشابه، واعتبر بالأمثال.
وكل هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متقاربة المعاني، لان قول القائل:
فلان مقيم على باب من أبواب هذا الامر، وفلان مقيم على وجه من وجوه هذا الامر، وفلان مقيم على حرف من هذا الامر سواء. ألا ترى أن الله - جل ثناؤه - وصف قوما عبدوه على وجه من وجوه العبادات فأخبر عنهم أنهم عبدوه على حرف، فقال: (ومن الناس يعبد الله على حرف) (1) يعني أنهم بعدوه على وجه الشك لا على اليقين والتسليم لامره.
فكذلك رواية من روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " نزل القرآن من سبعة أبواب "، و " نزل على سبعة أحرف " سواء معناهما مؤتلف وتأويلهما غير مختلف في هذا الوجه. ومعنى ذلك كله الخبر منه (صلى الله عليه وسلم) عما خصه الله به وأمته من الفضيلة والكرامة التي لم يؤتها أحدا في تنزيله.
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلوات الله عليهم فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به كان ذلك له ترجمة وتفسيرا، ولا تلاوة له على ما أنزله الله. وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ إذا أصاب معناه مترجما له، كما كان التالي لبعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد واحد إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به له مترجما لا تاليا على ما أنزله الله به. فذلك معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " كان الكتاب الأول نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف ".
وأما معنى قوله (صلى الله عليه وسلم): " إن الكتاب الأول نزل من باب واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب " فإنه (صلى الله عليه وسلم) عنى بقوله: " نزل الكتاب الأول من باب واحد " والله أعلم: ما نزل من كتب الله على من أنزله من أنبيائه، خاليا من الحدود والاحكام والحلال والحرام، كزبور داود