فإن قال لنا قائل: فهل لك علم بالألسن السبعة التي نزل بها القرآن، وأي الألسن هي من ألسن العرب؟
قلنا: أما الألسن الستة قد نزلت القراءة بها، فلا حاجة بنا إلى معرفتها، لأنا لو عرفناها لم نقرأ اليوم بها، مع الأسباب التي قدمنا ذكرها. وقد قيل: إن خمسة منها لعجز هوازن (1)، واثنين منها لقريش وخزاعة. وروي جميع ذلك ابن عباس، ليست الرواية عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله، وذلك روى عنه أن خمسة منها من لسان العجز من هوازن: الكلبي عن أبي صالح، وأن الذي عنه أن اللسانين الآخرين لسان قريش وخزاعة: قتادة، وقتادة لم يلقه ولم يسمع منه. 55 - حدثني بذلك أصحابنا، قال: حدثنا صالح بن نصر الخزاعي، قال:
حدثنا الهيثم بن عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلسان قريش، ولسان خزاعة، وذلك أن الدار واحدة.
56 - وحدثني بعض أصحابنا، قال: حدثنا صالح بن نصر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي الأسود الدؤلي، قال: نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤي. فقال خالد بن سملة لسعد بن إبراهيم: ألا تعجب نم هذا الأعمى يزعم أن القرآن نزل بلسان الكعبين، وإنما نزل بلسان قريش!.
قال أبو جعفر: والعجز من هوازن: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف.
وأما معنى قول النبي (صلى الله عليه وسلم)، إذ ذكر نزول القرآن على سبعة أحرف: " إن كلها شاف كاف "، فإنه كما قال جل ثناؤه في وصفه القرآن: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) (2) جعله الله للمؤمنين شفاء يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم من وساوس الشيطان وخطراته فيكفيهم ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ ببيان آياته.