لنبيهم: (أرنا الله جهرة) (1) وأن الله تعالى ذكره أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربهم وأنهم عبدوا العجل، فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة، فقالوا لنبيهم: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (2) فابتلاهم بالتيه. فسواء قال قائل:
هم لم يمسخهم قردة، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير، وآخر قال: لم يكن شئ مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والعقوبات والأنكال التي أحلها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه، سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك. بما أقر به، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح. هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلا على فساد قول إجماعها على تخطئته.
القول في تأويل قوله تعالى: (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين).
يعني بقوله: (فقلنا لهم) أي فقلنا للذين اعتدوا في السبت، يعني في السبت.
وأصل السبت الهدو السكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لهدوه وسكون جسده واستراحته، كما قال جل ثناؤه: (وجعلنا نومكم سباتا) (3) أي راحة لأجسادكم، وهو مصدر من قول القائل: سبت فلان يسبت سبتا. وقد قيل إنه سمي سبتا لان الله جل ثناؤه فرغ يوم الجمعة، وهو اليوم الذي قبله، من خلق جميع خلقه.
وقوله: (كونوا قردة خاسئين) أي صيروا كذلك. والخاسئ: المبعد المطرود كما يخطأ الكلب، يقال منه: خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا، وهو يخسأ خسوءا، قال: ويقال خسأته فخسأ، وانخسأ، ومنه قول الراجز:
كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ (4) يعني إن طردته انطرد ذليلا صاغرا. فكذلك معنى قوله: (كونوا قردة خاسئين) أي مبعدين من الخير أذلاء صغراء. كما:
956 - حدثنا بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (كونوا قردة خاسئين) قال: صاغرين.