لنا دخولها حتى هلكوا في التيه وابتلاهم بالتيهان في الأرض أربعين سنة، ثم أهبط ذريتهم الشام، فأسكنهم الأرض المقدسة، وجعل هلاك الجبابرة على أيديهم مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى بن عمران. فرأينا الله عز وجل قد أخبر عنهم أنه كتب لهم الأرض المقدسة، ولم يخبرنا عنهم أنه ردهم إلى مصر بعد اخراجه إياهم منها، فيجوز لنا أن نقرأ اهبطوا مصر، ونتأوله أنه ردهم إليها.
قالوا: فإن احتج محتج بقول الله جل ثناؤه: فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل. قيل لهم: فإن الله جل ثناؤه إنما أورثهم ذلك وأما الذين قالوا: إن فملكهم إياها ولم يردهم إليها، وجعل مساكنهم الشأم الله إنما عنى بقوله عز وجل: اهبطوا مصر مصر، فإن من حجتهم التي احتجوا بها الآية التي قال فيها: فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل وقوله: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين. قالوا: فأخبر الله جل ثناؤه أنه قد ورثهم ذلك وجعلها لهم، فلم يكونوا يرثونها ثم لا ينتفعون بها. قالوا: ولا يكونون منتفعين بها إلا بمصير بعضهم إليها، وإلا فلا وجه للانتفاع بها إن لم يصيروا أو يصر بعضهم إليها. قالوا: وأخرى أنها في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: اهبطوا مصر بغير ألف، قالوا: ففي ذلك الدلالة البينة أنها مصر بعينها.
والذي نقول به في ذلك أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين، ولا خبر به عن الرسول (ص) يقطع مجيئه العذر، وأهل التأويل متنازعون تأويله.
فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن موسى سأل ربه أن يعطي قومه ما سألوه من نبات الأرض على ما بينه الله عز وجل في كتابه وهم في الأرض تائهون، فاستجاب الله لموسى دعاءه، وأمره أن يهبط بمن معه من قومه قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك، إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه، وجائز أن يكون ذلك القرار مصر، وجائز أن يكون الشأم. فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين: اهبطوا مصرا وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين، واتفاق قراءة القراء على ذلك. ولم يقرأ بترك التنوين فيه