ذلك قراءة عبد الله بن مسعود وثومها بالثاء. فإن كان ذلك صحيحا فإنه من الحروف المبدلة، كقولهم: وقعوا في عاثور شر وعافور شر، وكقولهم للأثافي أثاثي، وللمغافير مغاثير، وما أشبه ذلك مما تقلب الثاء فاء والفاء ثاء لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء.
والمغافير شبيه بالشئ الحلو يشبه بالعسل ينزل من السماء حلوا يقع على الشجر ونحوها.
القول في تأويل قوله تعالى: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.
يعني بقوله: قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير قال لهم موسى:
أتأخذون الذي هو أخس خطرا وقيمة وقدرا من العيش، بدلا بالذي هو خير منه خطرا وقيمة وقدرا وذلك كان استبدالهم. وأصل الاستبدال: هو ترك شئ لآخر غيره مكان المتروك.
ومعنى قوله: أدنى أخس وأوضع وأصغر قدرا وخطرا، وأصله من قولهم: هذا رجل دني بين الدناءة، وإنه ليدني في الأمور بغير همز إذا كان يتتبع خسيسها. وقد ذكر الهمز عن بعض العرب في ذلك سماعا منهم، يقولون: ما كنت دنيا ولقد دنأت. وأنشدني بعض أصحابنا عن غيره أنه سمع بعض بني كلاب ينشد بيت الأعشى:
باسلة الوقع سرابيلها * بيض إلى دانئها الظاهر بهمز الدانئ، وأنه سمعهم يقولون: إنه لدانئ خبيث، بالهمز. فإن كان ذلك عنهم صحيحا، فالهمز فيه لغة وتركه أخرى.
ولا شك أن من استبدل بالمن والسلوى البقل والقثاء والعدس والبصل والثوم، فقد استبدل الوضيع من العيش بالرفيع منه.
وقد تأول بعضهم قوله: الذي هو أدنى بمعنى الذي هو أقرب، ووجه قوله:
أدنى إلى أنه أفعل من الدنو الذي هو بمعنى القرب. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله:
الذي هو أدنى قاله عدد من أهل التأويل في تأويله. ذكر من قال ذلك: