ومن اللبس قول الله جل ثناؤه: وللبسنا عليهم ما يلبسون.
إن قال لنا قائل: وكيف كانوا يلبسون الحق بالباطل وهم كفار، وأي حق كانوا عليه مع كفرهم بالله؟ قيل: إنه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التصديق بمحمد (ص) ويستبطنون الكفر به، وكان أعظمهم يقولون: محمد نبي مبعوث إلا أنه مبعوث إلى غيرنا. فكان لبس المنافق منهم الحق بالباطل إظهاره الحق بلسانه وإقراره لمحمد (ص) وبما جاء به جهارا، وخلطه ذلك الظاهر من الحق بالباطل الذي يستبطنه. وكان لبس المقر منهم بأنه مبعوث إلى غيرهم الجاحد أنه مبعوث إليهم إقراره بأنه مبعوث إلى غيرهم وهو الحق، وجحوده أنه مبعوث إليهم وهو الباطل، وقد بعثه الله إلى الخلق كافة. فذلك خلطهم الحق بالباطل ولبسهم إياه به. كما:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روح، عن الضحاك، عن ابن عباس قوله: ولا تلبسوا الحق بالباطل قال: لا تخلطوا الصدق بالكذب.
وحدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ولا تلبسوا الحق بالباطل يقول: لا تخلطوا الحق بالباطل، وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد عليه الصلاة والسلام.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: ولا تلبسوا الحق بالباطل اليهودية والنصرانية بالاسلام.
وحدثني يونس ابن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولا تلبسوا الحق بالباطل قال: الحق: التوراة الذي أنزل الله على موسى، والباطل: الذي كتبوه بأيديهم.
القول في تأويل قوله تعالى: وتكتموا الحق وأنتم تعلمون.
قال أبو جعفر: وفي قوله: وتكتموا الحق وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحق كما نهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل. فيكون تأويل ذلك حينئذ: ولا تلبسوا الحق بالباطل، ولا تكتموا الحق. ويكون قوله: