كان من آدم وزوجته لو كان على النحو الذي يكون فيما بين إبليس اليوم وذرية آدم لما قال جل ثناؤه: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) (2) ولكن ذلك كان إن شاء الله على نحو ما قال ابن عباس ومن قال بقوله.
فأما سبب وصوله إلى الجنة حتى كلم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها، فليس فيما روي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته، إذ كان ذلك قولا لا يدفعه عقل ولا خبر يلزم تصديقه من حجة بخلافه، وهو من الأمور الممكنة.
والقول في ذلك أنه قد وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا الله جل ثناؤه، وممكن أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الذي قاله المتأولون، بل ذلك إن شاء الله كذلك لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك، وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك ما:
630 - حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق في ذلك، والله أعلم، كما قال ابن عباس وأهل التوراة: أنه خلص إلى آدم وزوجته بسلطانه الذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذريته، وأنه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته، وفج كل حال من أحواله، حتى يخلص إلى ما أراد منه حتى يدعوه إلى المعصية، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه، وقد قال الله: فوسوس لهما الشيطان فأزلهما مما كانا فيه (2). وقال: (يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) (3) وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس) إلى آخر السورة (4). ثم ذكر الاخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " (5)