فجزم فيذرك بما جزم به لا تجهدنه، كأنه كرر النهي.
والثاني أن يكون: فتكونا من الظالمين بمعنى جواب النهي، فيكون تأويله حينئذ: لا تقربا هذه الشجرة، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين كما تقول: لا تشتم عمرا فيشتمك مجازاة. فيكون فتكونا حينئذ في موضع نصب إذ كان حرفا عطف على غير شكله لما كان في ولا تقربا حرف عامل فيه، ولا يصلح إعادته في فتكونا، فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة.
وأما تأويل قوله: فتكونا من الظالمين فإنه يعني به فتكونا من المتعدين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه. وإنما عنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة كنتما على منهاج من تعدى حدودي وعصى أمري واستحل محارمي لان الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين. وأصل الظلم في كلام العرب وضع الشئ في غير موضعه ومنه قول نابغة بني ذبيان:
إلا الأواري لأيا ما أبينها * والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد فجعل الأرض مظلومة، لان الذي حفر فيها النوى حفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة لوضع الحفرة منها في غير موضعها. ومن ذلك قول ابن قميئة في صفة غيث:
ظلم البطاح بها انهلال حريصة * فصفا النطاف له بعيد المقلع وظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبه. ومنه: ظلم الرجل جزوره، وهو نحره إياه لغير علة وذلك عند العرب: وضع النحر في غير موضعه.
وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا