القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين.
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في تأويل قوله: ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فقال بعض نحويي الكوفيين: تأويل ذلك: ولا تقربا هذه الشجرة فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين. فصار الثاني في موضع جواب الجزاء، وجواب الجزاء يعمل فيه أوله كقولك: إن تقم أقم، فتجزم الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله: فتكونا لما وقعت الفاء في موضع شرط الأول نصب بها، وصيرت بمنزلة كي في نصبها الأفعال المستقبلة وقال بعض نحويي أهل للزومها الاستقبال، إذ كان أصل الجزاء الاستقبال.
وقال بعض نحويي أهل البصرة: تأويل ذلك: لا يكن منكما قرب هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين. غير أنه زعم أن أن غير جائز إظهارها مع لا، ولكنها مضمرة لا بد منها ليصح الكلام بعطف اسم وهي أن على الاسم، كما غير جائز في قولهم عسى أن يفعل. عسى الفعل، ولا في قولك: ما كان ليفعل. ما كان لان يفعل.
وهذا القول الثاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل: سرني تقوم يا هذا، وهو يريد: سرني قيامك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل: لا تقم، إذا كان المعنى: لا يكن منك قيام. وفي إجماع جميعهم على صحة قول القائل: لا تقم، وفساد قول القائل: سرني تقوم بمعنى سرني قيامك، الدليل الواضح على فساد دعوى المدعي أن مع لا التي في قوله: ولا تقربا هذه الشجرة ضمير أن، وصحة القول الآخر.
وفي قوله: فتكونا من الظالمين وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون فتكونا في نية العطف على قوله: ولا تقربا فيكون تأويله حينئذ: ولا تقربا هذه الشجرة، ولا تكونا من الظالمين. فيكون فتكونا حينئذ في معنى الجزم مجزوم بما جزم به ولا تقربا، كما يقول القائل: لا تكلم عمرا ولا تؤذه، وكما قال امرؤ القيس:
فقلت له صوب ولا تجهدنه * فيذرك من أخرى القطاة فتزلق