يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأبلسا وقال رؤبة:
وحضرت يوم الخميس الأخماس * وفي الوجوه صفرة وإبلاس يعني به اكتئابا وكسوفا.
فإن قال قائل: فإن كان إبليس كما قلت إفعيل من الابلاس، فهلا صرف وأجري؟ قيل: ترك إجراؤه استثقالا إذ كان اسما لا نظير له من أسماء العرب، فشبهته العرب إذ كان كذلك بأسماء العجم التي لا تجري، وقد قالوا: مررت بإسحاق، فلم يجروه، وهو من أسحقه الله إسحاقا، إذ كان وقع مبتدأ اسما لغير العرب ثم تسمت به العرب فجرى مجراه، وهو من أسماء العجم في الاعراب، فلم يصرف. وكذلك أيوب إنما هو فيعول من آب يؤوب.
وتأويل قوله: أبى يعني جل ثناؤه بذلك إبليس أنه امتنع من السجود لآدم فلم يسجد له. واستكبر يعني بذلك أنه تعظم وتكبر عن طاعة الله في السجود لآدم. وهذا وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبليس، فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله والانقياد لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق. وكان ممن تكبر عن الخضوع لأمر الله والتذلل لطاعته والتسليم لقضائه فيما ألزمهم من حقوق غيرهم اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص)، وأحبارهم الذين كانوا برسول الله (ص) وصفته عارفين وبأنه لله رسول عالمين، ثم استكبروا مع علمهم بذلك عن الاقرار بنبوته والاذعان لطاعته، بغيا منهم له وحسدا، فقرعهم الله بخبره عن إبليس الذي فعل في استكباره عن السجود لآدم حسدا له وبغيا نظير فعلهم في التكبر عن الاذعان لمحمد نبي الله (ص) ونبوته، إذ جاءهم بالحق من عند ربهم حسدا وبغيا. ثم وصف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضربه لهم مثلا في الاستكبار والحسد والاستنكاف عن الخضوع لمن أمره الله بالخضوع له، فقال جل ثناؤه:
وكان يعني إبليس من الكافرين من الجاحدين نعم الله عليه وأياديه عنده بخلافه عليه