اسجدوا لآدم فقالوا: نعم. وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم.
قال أبو جعفر: وهذه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها. وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خلق أصناف ملائكته من أصناف من خلقه شتى، فخلق بعضا من نور، وبعضا من نار، وبعضا مما شاء من غير ذلك. وليس فيما نزل الله جل ثناؤه الخبر عما خلق منه ملائكته وإخباره عما خلق منه إبليس ما يوجب أن يكون إبليس خارجا عن معناهم، إذ كان جائزا أن يكون خلق صنفا من ملائكته من نار كان منهم إبليس، وأن يكون أفرد إبليس بأن خلقه من نار السموم دون سائر ملائكته. وكذلك غير مخرجه أن يكون كان من الملائكة بأن كان له نسل وذرية لما ركب فيه من الشهوة واللذة التي نزعت من سائر الملائكة لما أراد الله به من المعصية.
وأما خبر الله عن أنه من الجن، فغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الابصار كلها جنا، كما قد ذكرنا قبل في شعر الأعشى، فيكون إبليس والملائكة منهم لاجتنانهم عن أبصار بني آدم.
القول في معنى إبليس.
قال أبو جعفر: وإبليس إفعيل من الابلاس: وهو الإياس من الخير والندم والحزن. كما:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إبليس أبلسه الله من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته.
وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي، قال: كان اسم إبليس الحارث، وإنما سمي إبليس حين أبلس متحيرا.
قال أبو جعفر: كما قال الله جل ثناؤه: فإذا هم مبلسون يعني به أنهم آيسون من الخير، نادمون حزنا، كما قال العجاج: