ذريته، وأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وإن جعلتكم فيها أطعتموني، واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس. فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعلمه غيركم بتعليمي إياه، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد، وبما هو مستتر من الأمور التي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالمين، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي.
وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته الذين قالوا له: (أتجعل فيها من يفسد فيها) من جهة عتابه جل ذكره إياهم، نظير قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه، إذ قال:
(رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) (1): لا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين. فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خلفاءه في الأرض يسبحوه ويقدسوه فيها، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله في الأرض خليفة، يفسدون فيها، ويسفكون الدماء، فقال لهم جل ذكره: (إني أعلم ما لا تعلمون) يعني بذلك أني أعلم أن بعضكم فاتح المعاصي وخاتمها - وهو إبليس - منكرا بذلك تعالى ذكره قولهم. ثم عرفهم موضع هفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانا، فكيف بما لم يروه ولم يخبروا عنه بعرضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ، وقيله لهم: (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبحتموني وقدستموني، وإن استخلفت فيها غيركم عصاني ذريته، وأفسدوا وسفكوا الدماء. فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم، وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) فسارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة، كما قال نوح حين عوتب في مسألته، فقيل له: لا تسألن ما ليس لك به علم: (رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) (2) وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له، سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوبته.
وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله: (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) لم يكن ذلك لان الملائكة ادعوا شيئا، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب