التي تعجز عن أوصافها الألسن. وذلك أن الله جل ثناؤه احتج فيها لنبيه (ص) على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل باطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن جل ثناؤه أطلع عليها من خلقه إلا خاصا، ولم يكن مدركا علمه إلا بالانباء والاخبار، لتتقرر عندهم صحة نبوته، ويعلموا أن ما أتاهم به فمن عنده، ودل فيها على أن كل مخبر خبرا عما قد كان أو عما هو كائن مما لم يكن ولم يأته به خبر ولم يوضع له على صحته برهان فمتقول ما يستوجب به من ربه العقوبة.
ألا ترى أن الله جل ذكره رد على ملائكته قيلهم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعرفهم أن قيل ذلك لم يكن جائزا لهم بما عرفهم من قصور علمهم عند عرضه ما عرض عليهم من أهل الأسماء، فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فلم يكن لهم مفزع إلا الاقرار بالعجز والتبري إليه أن يعلموا إلا ما علمهم بقولهم: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فكان في ذلك أوضح الدلالة وأبين الحجة على كذب مقالة كل من ادعى شيئا من علوم الغيب من الحزاة والكهنة والقافة والمنجمة. وذكر بها الذين وصفنا أمرهم من أهل الكتاب سوالف نعمه على آبائهم، وأياديه عند أسلافهم، عند إنابتهم إليه، وإقبالهم إلى طاعته مستعطفهم بذلك إلى الرشاد، ومستعتبهم به إلى النجاة، وحذرهم بالاصرار والتمادي في البغي والضلال، حلول العقاب بهم نظير ما أحل بعدوه إبليس، إذ تمادى في الغي والخسار.
قال: وأما تأويل قوله: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فهو كما:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: قالوا: سبحانك تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، تبنا إليك، لا علم لنا إلا ما علمتنا: تبرءوا منهم من علم