الأخرى على صحة ما قلنا وشهادتها بأن الواجب من القراءة ما اخترنا، وأن الصواب من التأويل ما تأولنا من أن وعيد الله المنافقين في هذه الآية العذاب الأليم على الكذب الجامع معنى الشك والتكذيب، وذلك قول الله تبارك وتعالى: * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) * والآية الأخرى في المجادلة:
* (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين) * فأخبر جل ثناؤه أن المنافقين بقيلهم ما قالوا لرسول الله (ص)، مع اعتقادهم فيه ما هم معتقدون، كاذبون. ثم أخبر تعالى ذكره أن العذاب المهين لهم على ذلك من كذبهم. ولو كان الصحيح من القراءة على ما قرأه القارئون في سورة البقرة: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون لكانت القراءة في السورة الأخرى: * (والله يشهد إن المنافقين لمكذبون) *، ليكون الوعيد لهم الذي هو عقيب ذلك وعيدا على التكذيب، لا على الكذب.
وفي إجماع المسلمين على أن الصواب من القراءة في قوله: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون بمعنى الكذب، وأن إيعاد الله تبارك وتعالى فيه المنافقين العذاب الأليم على ذلك من كذبهم، أوضح الدلالة على أن الصحيح من القراءة في سورة البقرة: بما كانوا يكذبون بمعنى الكذب، وأن الوعيد من الله تعالى ذكره للمنافقين فيها على الكذب حق، لا على التكذيب الذي لم يجز له ذكر نظير الذي في سورة المنافقين سواء.
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن ما من قول الله تبارك اسمه: بما كانوا يكذبون اسم للمصدر، كما أن أن والفعل اسمان للمصدر في قولك: أحب أن تأتيني، وأن المعنى إنما هو بكذبهم وتكذيبهم. قال: وأدخل كان ليخبر أنه كان فيما مضى، كما يقال: ما أحسن ما كان عبد الله. فأنت تعجب من عبد الله لا من كونه، وإنما وقع التعجب في اللفظ على كونه. وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك من قوله ويستخطئه ويقول: إنما ألغيت كان في التعجب لان الفعل قد تقدمها، فكأنه قال: حسنا كان زيد، وحسن كان زيد يبطل كان، ويعمل مع الأسماء والصفات التي بألفاظ الأسماء إذا جاءت قبل كان ووقعت كان بينها وبين الأسماء.
وأما العلة في إبطالها إذا أبطلت في هذه الحال فشبه الصفات والأسماء بفعل ويفعل اللتين لا يظهر عمل كان فيهما، ألا ترى أنك تقول: يقوم كان زيد، ولا يظهر عمل كان