تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون نزلت في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله (ص)، وإن كان معنيا بها كل من كان بمثل صفتهم من المنافقين بعدهم إلى يوم القيامة. وقد يحتمل قول سلمان عند تلاوة هذه الآية: ما جاء هؤلاء بعد أن يكون قاله بعد فناء الذين كانوا بهذه الصفة على عهد رسول الله (ص) خبرا منه عمن جاء منهم بعدهم ولما يجئ بعد، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن هذه صفته أحد.
وإنما قلنا أولى التأويلين بالآية ما ذكرنا، لاجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك صفة من كان بين ظهراني أصحاب رسول الله (ص) على عهد رسول الله (ص) من المنافقين، وأن هذه الآيات فيهم نزلت. والتأويل المجمع عليه أولى بتأويل القرآن من قول لا دلالة على صحته من أصل ولا نظير. والافساد في الأرض: العمل فيها بما نهى الله جل ثناؤه عنه، وتضييع ما أمر الله بحفظه. فذلك جملة الافساد، كما قال جل ثناؤه في كتابه مخبرا عن قيل ملائكته: * (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * يعنون بذلك:
أتجعل في الأرض من يعصيك ويخالف أمرك؟ فكذلك صفة أهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه وشكهم في دين الله الذي لا يقبل من أحد عملا إلا بالتصديق به والايقان بحقيته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، وبمظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا.
فذلك إفساد المنافقين في أرض الله، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها.
فلم يسقط الله جل ثناؤه عنهم عقوبته، ولا خفف عنهم أليم ما أعد من عقابه لأهل معصيته بحسبانهم أنهم فيما أتوا من معاصي الله مصلحون، بل أوجب لهم الدرك الأسفل من ناره والأليم من عذابه والعار العاجل بسب الله إياهم وشتمه لهم، فقال تعالى: ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وذلك من حكم الله جل ثناؤه فيهم أدل الدليل على تكذيبه تعالى قول القائلين: إن عقوبات الله لا يستحقها إلا المعاند ربه فيما لزمه من حقوقه وفروضه بعد علمه وثبوت الحجة عليه بمعرفته بلزوم ذلك إياه.
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا إنما نحن مصلحون.