وقوله: هدى يحتمل أوجها من المعاني أحدها: أن يكون نصبا لمعنى القطع من الكتاب لأنه نكرة والكتاب معرفة، فيكون التأويل حينئذ: ألم ذلك الكتاب هاديا للمتقين. وذلك مرفوع ب ألم، والم به، والكتاب نعت ل ذلك. وقد يحتمل أن يكون نصبا على القطع من راجع ذكر الكتاب الذي في فيه، فيكون معنى ذلك حينئذ:
ألم الذي لا ريب فيه هاديا. وقد يحتمل أن يكون أيضا نصبا على هذين الوجهين، أعني على وجه القطع من الهاء التي في فيه، ومن الكتاب على أن ألم كلام تام، كما قال ابن عباس. إن معناه: أنا الله أعلم. ثم يكون ذلك الكتاب خبرا مستأنفا، ويرفع حينئذ الكتاب ب ذلك وذلك بالكتاب، ويكون هدى قطعا من الكتاب، وعلى أن يرفع ذلك بالهاء العائدة عليه التي في فيه، والكتاب نعت له، والهدى قطع من الهاء التي في فيه. وإن جعل الهدى في موضع رفع لم يجز أن يكون ذلك الكتاب إلا خبرا مستأنفا والم كلاما تاما مكتفيا بنفسه إلا من وجه واحد وهو أن يرفع حينئذ هدى بمعنى المدح كما قال الله عز وجل: * (ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين) * في قراءة من قرأ رحمة بالرفع على المدح للآيات.
والرفع في هدى حينئذ يجوز من ثلاثة أوجه، أحدها: ما ذكرنا من أنه مدح مستأنف. والآخر: على أن يجعل الرافع ذلك، والكتاب نعت ل - ذلك. والثالث: أن يجعل تابعا لموضع لا ريب فيه، ويكون ذلك الكتاب مرفوعا بالعائد في فيه، فيكون كما قال تعالى ذكره: وهذا كتاب أنزلناه مبارك.
وقد زعم بعض المتقدمين في العلم بالعربية من الكوفيين أن ألم رافع ذلك الكتاب بمعنى: هذه الحروف من حروف المعجم، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. ثم نقض ذلك من قوله فأسرع نقضه، وهدم ما بنى فأسرع هدمه، فزعم أن الرفع في هدى من وجهين والنصب من وجهين، وأن أحد وجهي الرفع أن يكون الكتاب نعتا ل ذلك، والهدى في موضع رفع خبر ل ذلك كأنك قلت: ذلك لا شك فيه. قال:
وإن جعلت لا ريب فيه خبره رفعت أيضا هدى بجعله تابعا لموضع لا ريب فيه كما قال الله جل ثناؤه: * (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) * كأنه قال: وهذا كتاب هدى من صفته كذا وكذا. قال: وأما أحد وجهي النصب، فأن تجعل الكتاب خبرا ل ذلك وتنصب