وقال بعضهم: بل عنى بذلك المتقين الذين يؤمنون بالغيب وهم الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد، وبما أنزل إلى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الذي يؤمنون بما أنزل إلى محمد (ص)،)، وبما أنزل إلى من قبله، وهم مؤمنوا أهل الكتاب الذين صدقوا بمحمد (ص) وبما جاء به، وكانوا مؤمنين من قبل بسائر الأنبياء والكتب.
وعلى هذا التأويل الآخر، يحتمل أن يكون: الذين يؤمنون بما أنزل إليك في محل خفض، ومحل رفع فأما الرفع فيه فإنه يأتيها من وجهين: أحدهما من قبل العطف على ما في يؤمنون بالغيب من ذكر الذين. والثاني: أن يكون خبر مبتدأ، ويكون:
أولئك على هدى من ربهم مرافعها. وأما الخفض فعلى العطف على المتقين. وإذا كانت معطوفة على الذين اتجه لها وجهان من المعنى، أحدهما: أن تكون هي والذين الأولى من صفة المتقين، وذلك على تأويل من رأى أن الآيات الأربع بعد ألم نزلت في صنف واحد من أصناف المؤمنين. والوجه الثاني: أن تكون الذين الثانية معطوفة في الاعراب على المتقين بمعنى الخفض، وهم في المعنى صنف غير الصنف الأول. وذلك على مذهب من رأى أن الذين نزلت فيهم الآيتان الأولتان من المؤمنين بعد قوله ألم غير الذين نزلت فيهم الآيتان الآخرتان اللتان تليان الأولتين. وقد يحتمل أن تكون الذين الثانية مرفوعة في هذا الوجه بمعنى الاستئناف، إذ كانت مبتدأ بها بعد تمام آية وانقضاء قصة. وقد يجوز الرفع فيها أيضا بنية الاستئناف إذ كانت في مبتدأ آية وإن كانت من صفة المتقين. فالرفع إذا يصح فيها من أربعة أوجه، والخفض من وجهين.
وأولى التأويلات عندي بقوله: أولئك على هدى من ربهم ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عباس، وأن تكون أولئك إشارة إلى الفريقين، أعني المتقين والذين يؤمنون بما أنزل إليك، وتكون أولئك مرفوعة بالعائد من ذكرهم في قوله: على هدى من ربهم وأن تكون الذين الثانية معطوفة على ما قبل من الكلام على ما قد بيناه.
وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية، لان الله جل ثناؤه نعت الفريقين بنعتهم المحمود ثم أثنى عليهم فلم يكن عز وجل ليخص أحد الفريقين بالثناء مع تساويهما فيما استحقا به الثناء من الصفات، كما غير جائز في عدله أن يتساويا فيما يستحقان به الجزاء من