الباطل الممنوع من الفساد، لا كذب فيه ولا اختلاف. وقيل: تلك آي هذه السور، آيات الكتاب الحكيم أي: اللوح المحفوظ، وسماه محكما، لأنه ناطق بالحكمة .
وقيل: لأنه جمع العلوم والحكمة. وقيل: إنما وصف الكتاب بالحكيم لأنه دليل على الحق، كالناطق بالحكمة، ولأنه يؤدي إلى المعرفة التي تميز بها طريق الهلاك من طريق النجاة (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس) هذه ألف استفهام المراد به الانكار، وقيل: إن المراد بالناس هنا أهل مكة. قالوا:
نعجب أن الله سبحانه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس، إلا يتيم أبي طالب، أو التقدير أكان إيحاؤنا إلى رجل من الناس بأن ينذرهم عجبا، ومعناه: لماذا تعجبون ان أوحينا إلى رجل منهم، وليس هذا موضع التعجب، بل هو الذي كان يجب فعله عند كل العقلاء، فإن الله تعالى لما أكمل لعباده عقولهم، وكلفهم معرفته، وأداء شكره وعلم أنهم لا يصلحون، ولا يقومون بذلك إلا بداع يدعوهم إليه، ومنبه ينبههم عليه، وجب في الحكمة أن يفعل ذلك ثم بين سبحانه الوجه الذي لأجله بعث، وما الذي أوحى إليه، فقال: (أن أنذر الناس) أي: أخبرهم بالعذاب وخوفهم به (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) أي: عرفهم ما فيه الشرف والخلود في نعيم الجنة على وجه الإكرام والإجلال لصالح الأعمال. وقيل: إن لهم قدم صدق أي: أجرا حسنا، ومنزلة رفيعة، بما قدموا من أعمالهم، عن ابن عباس، وروي عنه أيضا أن المعنى سبقت لهم السعادة في الذكر الأول، ويؤيده قوله: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) الآية.
وقيل: هو تقديم الله تعالى إياهم في البعث يوم القيامة بيانه قوله عليه السلام: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة. وقيل: إن القدم اسم للحسنى من العبد. واليد اسم للحسنى من السيد، للفرق بين السيد والعبد. وقيل: إن معنى قدم صدق شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهم يوم القيامة، عن أبي سعيد الخدري، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. (قال الكافرون إن هذا لساحر مبين) يعنون النبي، أي: قالوا هذا ساحر مظهر للسحر، وما أتى به سحر بين على اختلاف القراءتين. والسحر: فعل يخفى وجه الحيلة فيه، حتى يتوهم أنه معجز، وهذا يدل على عجزهم عن معارضة القرآن، ولذلك عدلوا إلى وصفه بالسحر.