ولا يخفى ان الحكم في هذه المسألة مبني على الخلاف في اجراء الظن مجرى العلم كما مر حكاية الخلاف مع ترجيح عدم الاجراء ونقلنا بعض الأخبار الدالة في المسألة الإنائين المشتبهين وتزيده بيانا صحيحة إسماعيل بن جابر السابقة في المسألة نجاسة المشركين وقد دل بعض الأخبار على الامر بتطهير ثوب لبسه المشرك ويحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة وجلد المذكى طاهر وتقع التذكية على ما يؤكل لحمه بلا شك واما ما لا يؤكل لحمه فعلى أقسام الأول الانسان ولا تقع التذكية عليه قطعا الثاني الكلب والخنزير ولا يقع التذكية عليهما اجماعا منا الثالث السباع والمشهور بين الأصحاب وقوع التذكية عليها حتى قال المصنف في التذكرة إذا ذكى ما لا يحل اكله جاز استعمال جلده بعد الدبغ في غير الصلاة عند علمائنا أجمع وحكى الشهيد الثاني عن الشهيد انه لا يعرف فيه خلافا في ذلك وفي كلام المصنف في المنتهى والمحقق في المعتبر أيضا اشعار بذلك حيث جزما بالحكم المذكور ونسبا المخالفة إلى العامة ونقل الشيخ الاجماع على جواز استعماله بعد الدباغ ويظهر من الشهيد الثاني الميل إلى عدم وقوع التذكية عليها والأقرب الأول الموثقة زرارة الآتية مع اعتضادها بالأصل والشهرة بين الأصحاب واستدل عليه جماعة منهم الفاضلان بقوله تعالى الا ما ذكيتم وفيه نظر لأن الظاهر أن المراد بقوله تعالى ما ذكيتم من الحيوانات التي يحل اكلها لأنه مستثنى مما حرم اكله لان المراد بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم تحريم الاكل كما هو الظاهر في أمثال هذه المواضع لا تحريم الانتفاعات مطلقا وعلى هذا لا يمكن حمل قوله تعالى الا ما ذكيتم من العموم الرابع المسوخات على القول بنجاستها لم تكن قابلا للتذكية واما على القول بالطهارة ففيه قولان فذهب المرتضى وجماعة إلى قبولها التذكية واستقرب الفاضلان عدم قبولها التذكية مع أن استدلالهما على قبول التذكية في السباع بالآية وموثقة ابن بكير جار هيهنا الخامس الحشرات وفي قبولها التذكية قولان واستقرب الفاضلان العدم والقول بقبول التذكية في المسئلتين غير بعيد وسيجيئ زيادة تحقيق هذه المسائل في كتاب الصيد والذبايح والمشهور انه لا يتوقف طهارة ما يقبل التذكية وجواز استعماله في الصلاة على الدباغ وخالف فيه الشيخ في كتبه الثلاثة والمرتضى في المصباح والأقرب الأول للأصل السالم عن المعارض ولقول أبي عبد الله عليه السلام فيما رواه ابن بكير بسند قوى وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله إذ حرم عليك اكله فالصلاة في كل شئ منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه وهذا دال على كون الذبح مطهرا واحتج الشيخ في الخلاف على ما ذهب إليه بان الاجماع واقع على جواز الاستعمال بعد الدباغ ولا دليل عليه وضعفه ظاهر وغيره اي الذكي نجس سواء دبغ أم لا وعليه جمهور الأصحاب حتى أن الشهيد في الذكرى نقل الاجماع عليه وادعى تواتر الاخبار به مع أنه لم ينقل منها بانكار يصح الاكتفاء به المصنف في المنتهى والمختلف نقل اجماع من عدا ابن الجنيد عليه وخالف فيه ابن الجنيد على ما نقل عنه فزعم أن الدباغ مطهر لجلد الميتة مما هو طاهر في حال الحياة لكن لا يجوز الصلاة فيه وعزى في الذكرى إلى أبي جعفر الشلمغاني في موافقته في الحكم بالطهارة وكان من قدماء الأصحاب وكان مستقيم الطريقة ثم تغير وظهر منه مقالات منكرة وظاهر الصدوق مخالفة المشهور لأنه نقل الرواية الدالة على جواز استعمال جلد الميتة مرسلا عن الصادق عليه السلام والظاهر من قاعدته الممهدة في صدر الكتاب قبل ذلك بقليل ان ذلك يكون مذهبا له فان الرجوع عن تلك القاعدة من غير فصل يعتد به جدا وقد يقال محمول على صورة الدباغ فيوافق مذهب ابن الجنيد والوجه فيه دلالة استعمالها في الأمور المعدودة عليه إذ من المستبعد اعدادها بشئ منها بدون الدباغ حجة قول الجمهور وجوه الأول عموم قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم لتناوله أنواع الانتفاعات الثاني استصحاب النجاسة لثبوتها قبل الدبغ فكذا بعده الثالث الاجماع على ما نقله الشيخ في الخلاف والشهيد في الذكرى الرابع الروايات كرواية الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ قال لا ولو دبغ سبعين مرة وعن محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام في الميتة قال لا تصلي في شئ منه ولا شسع وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني ادخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أليس هي ذكية فيقول بلى فهل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية فقال لا ولكن لا باس ان تبيعها وتقول قد شرط الذي اشتريتها منه انها ذكية قلت وما أفسد ذلك قال استحلال أهل العراق الميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الا على رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما في حديث ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته أجاب به عند سؤال نزع الفرا عنه عليه السلام وقت الصلاة وعن فتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي تؤكل لحمها ذكى فكتب لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب ونقلها في الاستبصار عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن عن أبي الحسن عليه السلام كما في التهذيب والكافي وعن الحسن بن محبوب في الصحيح عن عاصم بن حميد عن علي بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك الميتة ينتفع بشئ منها قال لا قلت بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله مر بشاة ميتة فقال ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا باهابها فقال تلك شاة لسودة بن زمعة زوج النبي صلى الله عليه وآله وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا باهابها اي تذكى وراوي هذه الرواية في التهذيب علي بن المغيرة وهو مجهول وفي كتب الاستدلال أيضا بهذا اللفظ وفي الكافي علي بن أبي المغيرة وقد وثقه المصنف وابن داود وهو أحد الاحتمالين في كلام النجاشي في ترجمة ولده الحسن والظاهر اتحادهما ولهذا عدهما المصنف من الصحاح مع ايرادها بلفظ علي بن المغيرة وبالجملة الحاق هذه الرواية بالصحاح غير بعيد ويؤيده رواية الحسن بن محبوب لها فإنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه هذا أقصى ما استدلوا به على النجاسة وفيه نظر إما التمسك بالآية فلان التبادر منها بحسب العرف تحريم الاكل وقد حقق ذلك في الأصول واما الاستصحاب فلان حجيته موقوفه على أن يكون دليل الحكم عاما بحيث يشمل محل النزاع على ما سبق الإشارة إليه مرارا وأنت إذا رجعت الأدلة المذكورة لنجاسة الميتة عرفت انها غير دالة على عموم الحكم لان أكثر الأخبار المذكورة هناك غير شامل لما بعد الدبغ وبعضها غير كاف للدلالة والاجماع غير متحقق في محل البحث فاذن التعويل على الاستصحاب ضعيف واما الاجماع فلعدم ثبوته على وجه يصلح للحجية ولهذا لم يتعرض له المحقق قال بعض المتأخرين حال الشيخ والشهيد في الاجماع معلوم إذ قد أشرنا في غير موضع إلى انهما داخلان في عداد من ظهر منه في أمر الاجماع ما أوجب حمله على غير معناه المصطلح الذي هو الحجة عندنا أو أفاد قلة الضبط في نقله واما الروايات فالأربعة المتقدمة منها غير دال على المدعا بوجه فإنها دالة على المنع في الصلاة وابن الجنيد يوافق على ذلك والانكار الواقع في خبر عبد الرحمن وأبي بصير انما هو على تنزيل الدباغ منزلة الذكاة في جميع الاستعمالات الشائعة معها حتى استعمال الجلد في الصلاة والخصم يوافق على هذا واما الخبران فمع ضعف سند الأولى منهما وامكان المناقشة في صحة الثانية معارضان بما سيجيئ و الترجيح لا يخلو عن اشكال احتج ابن الجنيد على ما نقل عنه بما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن والماء فاشرب منه وأتوضأ قال نعم وقال يدبغ فينتفع به ولا يصلى فيه والحسين راوي هذه الرواية مجهول لكن رواية صفوان عنه قرينة الاعتماد على ما أشرنا إليه سابقا فالحاقها بالصحاح غير بعيد وأجيب عنها بكونها معارضة بالاخبار السابقة ويؤيد مذهب ابن الجنيد رواه ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليه السلام انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن والماء ما ترى فيه قال لا باس بان تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ولكن لا تصل وما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت فرخص فيه وقال إن لم تمسه فهو أفضل والتحقيق انه وقع التعارض بين هذه الأخبار ويمكن الجمع إما بحمل اخبار المنع على الكراهة أو حمل اخبار الترخيص على التقية لموافقها لمذاهب أكثر العامة ويرجح الأول أصل البراءة والتمسك بالعمومات الدالة على طهارة المياه بالتقريب
(١٧٥)