واعلم أنك إذا سلكت مع الفقهاء في مسائل الخلاف في هذه الطريقة التي أشرنا إليها في الرجوع إلى أصل ما في العقل ضاقت عليهم الطريق في مناظرتك وقطعتهم بذلك عن ميدان واسع من القياسات واعتماد أخبار الآحاد،، وحصرتهم بذلك حصرا لا يملكون معه قبضا ولا بسطا.
مثال بعض ما أشرنا إليه وهو: أن يسأل عن إباحة نكاح المتعة فنقول: قد ثبت أن المنافع التي لا ضرر فيها عاجلا ولا آجلا في أصل العقل مباحة، ونكاح المتعة بهذه الصفة فيجب إباحته.
فإن سألت الدلالة على انتفاء الضرر عن هذا النكاح الذي فيه انتفاع لا محالة.
قلت: الضرر العاجل يعرف بالعادات والأمارات المشيرة إليها ويعلم فقد ذلك، والضرر الأجل إنما هو العقاب، وذلك تابع للقبح. ولو كانت هذه المنفعة قبيحة يستحق بها العقاب، لدل الله تعالى على ذلك، لوجوب إعلامه المكلف ما هذه سبيله.
فلم يبق بعد ذلك إلا أن يسأل الدلالة على أن المنافع التي صفتها ما ذكرناه في العقل على الإباحة، فينتقل من الكلام في الفروع إلى الأصول. ثم الدلالة على ذلك سهلة يسيرة، أو يعارض بقياس أو خبر واحد، فلا يقبل ذلك.
لأنهما غير حجة عندك في الشرع.
فإن انتقل إلى الكلام في التعبد بالقياس أو خبر الواحد، كان أيضا منتقلا من فرع إلى أصل.
وإذا انتقل الكلام إلى ذلك، كان أسهل وأقرب من غيره، أو ليس كنا نسامح الخصوم في بعض الأزمان، بأن نقبل المعارضة منهم بالقياس أو خبر الواحد، استظهارا أو استطالة عليهم، فصار ذلك من الواجب علينا، بل المناقشة أولى وأضيق عليهم. فإذا أردت بعد ذلك أن نتبرع بما يجب عليك من قبول ما