وإذا كان هذا الوجه قائما بعينه فيما ليس بمتجانس كان وجه الدلالة قائما، ولهذه العلة لا يفرق بين أن يبتنى مسألة حظر على مسألة إباحة أو إباحة على حظر، أو يبتنى نفيا على إثبات أو إثباتا على نفي، أو إيجابا على إباحة أو إباحة على إيجاب، بعد أن يكون طريقة الإجماع التي ذكرناها وأوضحناها في ذلك متأتية، وإنما ينظر من مثل من لا ينعم 1 التأمل ويفطن بالعلل والمعاني.
فإن قيل: لم يبق عليكم إلا أن تدلوا على صحة الطريقة التي ذكرتموها في اعتبار الإجماع، ففي ذلك خلاف، فبينوا أنه يجري مجرى أن يجمعوا على حكم واحد في أنه لا يجوز مخالفته.
قلنا: لا شبهة في صحة هذه الطريقة على أحد من أهل العلم بأصول الفقه، وأن مخالفة ما ذكرناه يجري مجرى مخالفة ما أجمعوا فيه على حكم واحد في مسألة واحدة.
ألا ترى أنهم قد بدعوا ابن سيرين والثوري لما خالف الإجماع، وإن كان في مسألتين وفي حكمين، وأجروه مجرى الخلاف في مسألة واحدة وحكم واحد.
وما اشتباه ذلك من بعده عن الصواب إلا كاشتباه الحال على من جوز إذا اختلف الأمة على أقاويل محصورة، أن يقول قائل بزائد عليها، ما 2 يدعى أن ذلك لا يجري مجرى إجماعهم على قول واحد، فهو يد 3 زائد أو يختلفوا على أقاويل ثلاثة، فيقول قائل بمذهب رابع، لأن في كلتي المسألتين قد خولف الإجماع وقيل بما اتفقوا على خلافه، ومثل ذلك لا يشتبه على ذوي النقد والتحصيل.