الكبرياء) قال عياض كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها ومنه قوله تعالى (جناح الذل) فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى ومن لم يفهم ذلك تاه فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يأولها أن يقال استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى ملخصا وقال الكرماني ما حاصله إن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكان في الكلام حذفا تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء فإنه يمن عليهم يرفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه فكأن المراد أن المؤمنين إذا تبوأوا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل فإذا أراد إكرامهم حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه قال الحافظ ثم وجدت في حديث صهيب في تفسير قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب وأنه سبحانه يكشف لأهل الجنة إكراما لهم والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أريدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة قال فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم منه ثم تلا هذه الآية الذين أحسنوا الحسنى وزيادة أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى ولعله أشار إلى تأويله به وقال القرطبي في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الاخر الكبرياء ردائي والعظمة إزاري وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما ومعنى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته المؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالا للنعمة فإذا زال المانع فعل منهم خلاف مقتضى الكبرياء فكأنه رفع عنهم حجابا كان يمنعهم انتهى (على وجهه) حال من رداء الكبرياء (في جنة عدن) راجع إلى القوم وقال عياض معناه راجع إلى الناظرين أي وهم في جنة عدن لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وتعالى وقال القرطبي متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن
(١٩٧)