مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج ٧ - الصفحة ٣٨٧
الستون: خبر الفصد (1)
(1) لقد استوعب أئمة أهل البيت - عليهم السلام - شتى العلوم ومنها علوم الطب والحكمة بما آتاهم الله من فضله، وأطلعهم على غيبه، وحباهم من نوره، وألهمهم من معرفته، وبما ورثوه من علوم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين - صلى الله عليه وآله -، فكانوا - عليهم السلام - يعالجون المرضى تارة بالقران والدعاء والاحراز والرقى والصدقة، وتارة يوصونهم بضرورة النظافة والطهارة والوقاية العامة، وثالثة يصفون لهم الأعشاب والنباتات وغيرها من العقاقير الطيبة التي كانت تؤثر بشكل فعال في شفاء المرضى مما يدل على أقدارهم - عليهم السلام - الكبيرة وإمكاناتهم الواسعة بتشخيص المرض من دون اللجوء إلى أجراء التحليلات المختبرية والصور الشعاعية والتخطيطات وما إلى ذلك من الوسائل المتطورة الحديثة المعروفة في يومنا هذا.
ويتم أيضا عن درايتهم - عليهم السلام - واطلاعهم الواسع بخواص تلك العقاقير وتأثيرها المباشر على المرض، وبالتالي صحة تشخيصهم لمختلف الأمراض.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد مرور عدة قرون جاء الطب الحديث بامكاناته الواسعة ليبرهن على صحة وصواب ما ورد عنهم - عليهم السلام - من أخبار وأحاديث في هذا المجال، لابل إنه اعتمد الكثير من تلك الأخبار، وما العودة إلى استخدام الحجامة والفصد علاجا أساسيا أو مساعدا لغيره من العلاجات ومتعاضدا معها للوصول إلى الشفاء إلا مثالا صارخا على صحة ما ذكرناه.
ولقد أقر الكثير من العلماء والمستشرقين في بحوثهم وتحقيقاتهم بتلك الحقائق والأخبار الواردة عنهم - عليهم السلام - واتفقوا على أن قوانين الطب قد جمعت في قوله تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) الأعراف: 31. ولا باس أخي القارئ أن نذكر هنا لمحا عن الحجامة والفصد، يقال: فصد العرق فصدا: شقة، ويقال: فصد المريض: اخرج مقدارا من دم وريده.
وقد تكامل الفصد اليوم باستعمال إبرة واسعة القناة بواسطتها ويؤخذ الدم من الوريد مباشرة، وتتراوح كمية الدم المقصود بين 300 - 500 سم 3، ويجب أن يتم بأسرع ما يمكن.
وتخلف الحجامة عن الفصد في أن الأخير هو إخراج دم الوريد بشقة كما هو نقيا كان أو غليظا، بينما الحجامة هي إخراج الدم الفاسد بواسطة الممص - آلة المص - من العروق الدقيقة والشعيرات الدموية المبثوثة في اللحم، والفصد يقلل الدم، وبالتالي يحتاج إلى تعويض وخلق جديد، بينما الحجامة تنقى الدم وتصفية دون أن يفقد الجسم كمية كبيرة منه بل العكس أنها تنشط الدورة الدموية وتوجب الرشد. وعلى هذا فالحجامة لا تضعف البدن كما في الفصد.
وتستعمل الحجامة أساسا للتخفيف عن الدورة الدموية وما يثقلها من سموم الفضلات والدهون والمتخلفات من الافراز، وقد استعملت منذ قديم الزمان كواجب من الواجبات الفصلية، وكعلاج ناجح لعدد من الأمراض كالجلطة الدموية والسكتة القلبية، وانفجار الشريان الدماغي.
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (عليكم بالحجامة، لا يتبيغ الدم بأحدكم، فيقتله).
وقال جالينوس: دمك عبدك، وربما قتل العبد سيده، فاطلقه، فان رايته صالحا فامسكه.
والأحاديث فيها كثيرة متواترة، ويعد العلق الطبي - واحدتها علقة - وهي دودة تعيش في الماء تمص الدم - من ملحقات الحجامة، وله أهميته أيضا في العلاج الموضعي لكثير من أمراض الأوردة الدموية كركود الدم في منطقة ما في الجسم، وذلك بما يتمتع به العلق من غريزة خاصة في مص الدم الفاسد، وإدخاله الهواء أثناء عملية المص تحت الجلد.
ومن ناحية أخرى ينفرد الفصد في علاج الحالات التالية:
1 - الهبوط الوظيفي في البطين الأيسر المودى إلى تورم في الرئتين ينجم عنها عسر شديد في التنفس.
2 - ضغط الدم الدماغي العالي لغلظة الدم.
3 - ازدياد عدد كريات الدم الأولى.
4 - الاحتقان الرئوي. وللفصد عروق معروفة ولها أسماء خاصة كالعرق الزاهر والأكحل يخرج منها الدم وقد ورد عن النبي والأئمة - صلوات الله عليهم - أن للفصد أوقات معينة.
وأما الحجامة فلها مواضع معروفة كاليافوخ من الرأس والنقرة من الظهر وغيرها، ولها أوقات معينة أيضا، وردت عن النبي والأئمة - صلوات الله عليهم - في الأحاديث الشريفة.