الغارات - إبراهيم بن محمد الثقفي - ج ٢ - الصفحة ٦٠١
يسير إلى الكوفة فبعث الجيش إلى المدينة فمثلنا ومثله كما قال الأول: أريها السها وتريني القمر (1) فبلغ ذلك معاوية فغضب عليه وقال: والله لقد هممت بمساءة (2) هذا الأحمق الذي لا يحسن التدبير ولا يدري سياسة الأمور ثم إنه كف عنه (3).
١ - في الصحاح: (السها كوكب خفي في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم، وفي المثل: أريها السها وتريني القمر) قال الزمخشري في المستقصى:
(أريها السها وتريني القمر هو كوكب صغير خفي في نجوم بنات نعش وأصله أن رجلا كان يكلم امرأة بالخفي الغامض من الكلام وهي تكلمه بالواضح البين، فضرب السها والقمر مثلا لكلامه وكلامها، يضرب لمن اقترح على صاحبه شيئا فأجابه بخلاف مراده قال:
شكونا إليه خراب السواد * فحرم فينا لحوم البقر فكنا كما قال من قبلنا: * أريها السها وتريني القمر) وقال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: (قولهم: أريها السها وتريني القمر، المثل لابن العز وكان عظيم الذكر فإذا واقع امرأة لم تملك عقلها، فأنكرت امرأة ذلك وقالت: سأجرب ذلك، فلما واقعها قال لها: أترين السهى؟ وهو كوكب صغير في بنات نعش قالت: هاهوذا، وأشارت إلى القمر، فضحك وقال: أريها السهى وتريني القمر.
فلما كان أيام الحجاج شكى إليه خراب السواد فحرم لحوم البقر فقال بعض الشعراء:
شكونا إليه (إلى آخر البيتين)) وفي مجمع البحرين: (فيه ذكر السهى بالقصر وضم السين وهو كوكب صغير قريب من النجم الأوسط من الأنجم الثلاثة من بنات نعش ويسمى أسلم، والعرب تسميه السهى، والناس يمتحنون به أبصارهم) وفي أقرب الموارد:
(السها والسهى بالألف والياء كوكب (إلى آخر ما قال).
٢ - كذا في شرح النهج وفي الأصل: (بإسناده) ولعلها كانت في الأصل: (بإساءة).
٣ - قال ابن أبي الحديد هنا: (قلت: الوليد كان لشدة بغضه عليا عليه السلام القديم التالد لا يرى الأناة في حربه ولا يستصلح الغارات على أطراف بلاده ولا يشفى غيظه ولا يبرد حزازات قبله إلا باستئصاله نفسه بالجيوش وتسييرها إلى دار ملكه وسرير خلافته وهي الكوفة وأن يكون معاوية بنفسه هو الذي يسير بالجيوش إليه ليكون ذلك أبلغ في هلاك علي عليه السلام واجتثاث أصل سلطانه، ومعاوية كان يرى غير هذا الرأي ويعلم أن السير بالجيش للقاء علي (ع) خطر عظيم فاقتضت المصلحة عنده وما يغلب على ظنه من حسن التدبير أن يثبت بمركزه بالشام في جمهور جيشه، ويسرب الغارات على أعمال علي (ع) وبلاده فتجوس خلال الديار وتضعفها فإذا أضعفها بيضة ملك علي (ع) لأن ضعف الأطراف يوجب ضعف البيضة وإذا أضعفت البيضة كان على بلوغ إرادته والمسير حينئذ إن استصوب المسير أقدر.
ولا يلام الوليد على ما نفسه فإن عليا عليه السلام قتل أباه عقبة بن أبي معيط صبرا يوم بدر، وسمي الفاسق بعد ذلك في القرآن لنزاع وقع بينه وبينه، ثم جلده الحد في خلافة عثمان، وعزله عن الكوفة وكان عاملها، وببعض هذا عند العرب أرباب الدين والتقى تستحل المحارم وتستباح الدماء ولا تبقى مراقبة في شفاء الغيظ لدين ولا لعقاب ولا لثواب فكيف الوليد المشتمل على الفسوق والفجور مجاهرا بذلك؟! وكان من المؤلفة قلوبهم، مطعونا في دينه، مرميا بالإلحاد والزندقة).
أقول: قد تقدم في باب (من انتقص عليا عليه السلام وعاداه) ترجمته وأنه كان من أعداء النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام) (أنظر ص 518 و 519).