الجواز قلنا قد حصل بيان الجواز بقوله كما في سائر المواقيت ثم لو كان كذلك لكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم ولما تواطؤا على ترك الأفضل واختيار الأدنى وهم أهل التقوى والفضل وأفضل الخلق ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات ما لهم وقد روى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا يدري ما يعرض له في احرامه " وروى الحسن أن عمر بن حصين أحرم من مصره فبلغ ذلك عمر فغضب وقال يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره: وقال إن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه له رواهما سعيد والأثرم قال البخاري كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان ولأنه أحرم قبل الميقات فكره كالاحرام بالحج قبل أشهره ولأنه تغرير بالاحرام وتعرض لفعل محظوراته وفيه مشقة على النفس فكره كالوصال في الصوم قال عطاء انظروا هذه المواقيت التي وقتت لكم فخذوا برخصة الله فيها فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنبا في احرامه فيكون أعظم لوزره فإن الذنب في الاحرام أعظم من ذلك فاما حديث الاحرام من بيت المقدس ففيه ضعف يرويه أبن أبي فديك ومحمد بن إسحاق وفيهما مقال ويحتمل اختصاص هذا ببيت المقدس دون غيرها ليجمع بين الصلاة في المسجدين في احرام واحد ولذلك أحرم ابن عمر منه ولم يكن يحرم من غيره الا من الميقات وقول عمر للضبي هديت لسنة نبيك يعني في القران فالجمع بين الحج والعمرة لا في الاحرام من قبل الميقات فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم الاحرام من الميقات بين ذلك بفعله وقوله وقد بين أنه لم يرد ذلك إنكاره على عمران بن حصين احرامه من مصره وأما قول عمر وعلي فإنهما قالا اتمام العمرة أن تنشئها من بلدك ومعناه أن تنشئ لها سفرا من بلدك تقصد له ليس أن تحرم بها من أهلك قال أحمد كان سفيان يفسره بهذا وكذلك فسره به احمد ولا يصح أن يفسر بنفس الاحرام فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أحرموا بها من بيوتهم وقد أمرهم الله باتمام العمرة فلو حمل قولهم على ذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تاركين لأمر الله ثم إن عمر وعليا ما كانا يحرمان الا من الميقات أفتراهما يريان أن ذلك ليس باتمام لها ويفعلانه؟ هذا لا ينبغي أن يتوهمه أحد ولذلك أنكر عمر على عمران احرامه من مصره واشتد عليه وكره أن يتسامع الناس مخافة أن يؤخذ به افتراه كره اتمام العمرة واشتد عليه أن يأخذ الناس بالأفضل؟ هذا لا يجوز فيتعين حمل قولهما في ذلك على ما حمله عليه الأئمة والله أعلم (مسألة) قال (ومن أراد الاحرام فجاوز الميقات غير محرم رجع فاحرم من الميقات فإن أحرم من مكانه فعليه دم وان رجع محرما من الميقات) وجملة ذلك أن من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه ان أمكنه سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا علم تحريم ذلك أو جهله فإن رجع إليه فاحرم منه فلا شئ عليه
(٢١٦)