أما الكتاب فقول الله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) مد الأكل والشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما. وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ربح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به فأما ما لا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به. وقال الحسن بن صالح: لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب وحكي عن أبي طلحة الأنصاري انه كان يأكل البرد في الصوم ويقول ليس بطعام ولا شراب ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب فما عداهما يبقى على أصل الإباحة ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم فيدخل فيه محل النزاع ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة فلا يعد خلافا (الفصل الثاني) ان الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم وبه قال إسحاق وابن المنذر ومحمد بن إسحاق ابن خزيمة وهو قول عطاء وعبد الرحمن بن مهدي وكان الحسن ومسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة وحسين بن علي وعروة وسعيد بن جبير. وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي يجوز للصائم أن يحتجم ولا يفطر لما روى البخاري عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. ولأنه دم خارج من البدن أشبه الفصد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفسا قال أحمد حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب وإسناد حديث رافع إسناد جيد وقال: حديث ثوبان وشداد صحيحان، وعن علي بن المديني أنه قال أصح شئ في هذا الباب حديث شداد وثوبان وحديثهم منسوخ بحديثنا بدليل ما روي عن ابن عباس أنه قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاحة بقرن وناب وهو محرم صائم فوجد لذلك ضعفا شديدا فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحتجم الصائم. رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم وعن الحكم قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فضعف ثم كرهت الحجامة
(٣٦)