أقول: إطلاق الآية الشريفة وعموم كل حالم في خبر معاذ يقتضيان الثبوت لا وجه لاستثنائهم إلا إذا كانوا شيوخا هرمى أو فقراء وقلنا باستثنائهما، أو يقال بأن الجزية تابعة لجواز القتل كما مر في النساء والشيوخ، والرهبان لا يقتلون لقوله - تعالى -:
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا. " (1) والراهب لا يقاتل، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر مسعدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " ولا تقتلوا وليدا لا متبتلا في شاهق. " (2) وفي خبر ابن عباس عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع. " (3) هذا.
وفي المغني لابن قدامة:
" ولا جزية على أهل الصوامع من الرهبان، ويحتمل وجوبها عليهم، وهذا أحد قولي الشافعي. وروي عن عمر بن عبد العزيز: أنه فرض على رهبان الديارات الجزية على كل راهب دينارين. ووجه ذلك عموم النصوص، ولأنه كافر صحيح قادر على أداء الجزية فأشبه الشماس. ووجه الأول أنهم محقونون بدون الجزية فلم تجب عليهم كالنساء وقد ذكرنا أنه يحرم قتلهم والنصوص مخصوصة بالنساء وهؤلاء في معناهن، ولأنه لا كسب له فأشبه الفقير غير المعتمل. " (4) أقول: الشماس موظف دون القسيس، قالوا: أصلها سريانية بمعنى الخادم.
ولو قيل بأن إدارة المجتمع تتوقف على أموال وضرائب، والجزية ضريبة أهل الكتاب، والرهبان أيضا يتمتعون من مزايا الدولة العادلة، ومن له الغنم فعليه الغرم فللحاكم الإسلامي أن يضع عليهم الجزية إن قدروا عليها ورأى في ذلك مصلحة لم يكن هذا بعيدا عن الصواب. والله - تعالى - أعلم.