بأخبار الجواز فإنها خاصة والعام يعارض الخاص، وقد أفتى الأكثر بالجواز كما مر.
كيف ولو كان المن الواقع منه (عليه السلام) في الجمل حكما مستمرا فلم أجاز اغتنام ما في العسكر في حرب صفين، كما مر في خبر مالك بن أعين وخبر جندب؟! اللهم إلا أن نفصل بين من له فئة وغيره، كما حكيناه عن التذكرة.
هذا مضافا إلى أن اغتنام الأموال التي حواها العسكر ومصادرتها أمر عرفي استقرت عليه سيرة العقلاء في جميع الأعصار، لوقوعها في طريق البغي والتجاوز، فكأنها تصادر على سبيل المقابلة والتقاص كما أشار إليه المرتضى في الناصريات، لأن من جاء بها إلى أثناء المعركة بغيا وعدوانا فكأنه عرضها للتلف كما عرض نفسه له فلا يبقى لها حرمة. هذا كله بالنسبة إلى الأموال الشخصية للبغاة.
وأما الأسلحة والأمتعة والرواتب التي وزعتها الدولة الباغية على جنودها فهي من الأموال العامة، وأمرها موكول إلى إمام المسلمين وولى أمرهم بلا إشكال وله إجازة تقسيمها بين جنده تشويقا لهم.
ومن المحتمل بعيدا أن يراد بما حواها العسكر في الروايات هذه الأموال لا الأموال الشخصية للبغاة.
وربما يشهد لذلك ما في تاريخ الطبري، قال: " ودفن علي (عليه السلام) الأطراف في قبر عظيم، وجمع ما كان في العسكر من شيء ثم بعث به إلى مسجد البصرة: أن من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان فإنه مما بقي ما لم يعرف، خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله - عز وجل -، لا يحل لمسلم من مال المسلم المتوفى شيء، وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفل من السلطان. " (1) هذا.
وقد طال البحث في باب الغنائم، ولعل التطويل مخالف لوضع هذا الكتاب ولكنه حيث لم نبحث في الغنائم قبل ذلك أطلنا البحث فيها هنا بخلاف الزكاة والخمس، حيث استوفينا البحث فيهما قبل ذلك، وقد طبع ما كتبناه فيهما، فراجع.