وربما يقرب حجيته بوجهين: الأول: أن قول المؤرخ الثبت الثقة نظير قول اللغوي في اللغة والطبيب في طبه والصانع في صنعته، وقد استقرت سيرة العقلاء في جميع الأعصار حتى في عصر الأئمة (عليهم السلام) على الأخذ بقول أهل الخبرة في كل فن وحرفة. لم يرد عنهم ردع عن ذلك.
الثاني: أن في هذا السنخ من الموضوعات الشرعية التي يكثر الابتلاء بها ويعسر تحصيل العلم فيها ولا يجوز إهمالها بالكلية لا محيص عن العمل بالظن، وإلا لزم تعطيل الأحكام، ويطلق على هذا الانسداد الصغير.
وتقريبه أنا نعلم إجمالا بثبوت التكليف فيها وعدم جواز إهمالها وانسداد باب العلم فيها غالبا. ولا يمكن الاحتياط فيها غالبا، لدوران الأمر بين المتباينين، أو كونه موجبا لاختلال النظام، أو مرجوحا قطعا لمخالفته لسهولة الشريعة السمحة. وتقديم المرجوح على الراجح قبيح عقلا فيتعين العمل بالظن دون الوهم.
ويظهر من الكفاية اعتماده على الظن لذلك ثم قال:
" والظن قد يحصل بالتواريخ المعتبرة إذا كان صاحب الكتاب اشتهر بصحة النقل و الاعتماد على كتابه والعمل بقوله بين الناس، كابن جرير الطبري، وصاحب المغازي:
الواقدي، والبلاذري، والمدائني، وابن الأثير، والمسعودي وأضرابهم. وقد يحصل باستمرار أخذ السلاطين الخراج منه وأخذ المسلمين من السلاطين، إذ الظاهر أن أخذ الخراج من ذلك البلد إذا كان مستمرا في الأعصار التي نعلمها لم يكن شيئا حادثا من بعد سلاطين الجور، بل كان شيئا مستمرا من الصدر الأول من غير نكير، أنه لو كان حادثا فالظاهر أنه كان ذلك منقولا في كتب التواريخ والأخبار لاعتناء أهل التواريخ ببيان أمثال هذه المبتدعات والحوادث. وأخذ الناس ذلك الخراج من السلاطين مستمرا شاهد على ذلك، فإن الظاهر جريان أفعال المسلمين على وجه الصحة والمشروعية ما لم يعلم خلاف ذلك. " (1)