واستقرت على الرابعة، كان يكتب في أول كتابه: باسمك اللهم ثم يكتب بعده ما أراد على عادة الجاهلية، ثم نزل قوله تعالى " بسم الله مجريها ومرسيها " فكتب بسم الله، فلما نزل قوله " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا " كتب " بسم الله الرحمن " فلما نزل قوله " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " كتب " بسم الله الرحمن الرحيم " فاستقر الأمر عليه إلى اليوم.
وذكروا أن عليه إجماع الأعصار لأنه لم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم عصرا بعد عصر يكتب بعضهم إلى بعض ولأن بالناس حاجة إليه.
وهذا كله ليس فيه دلالة: أما كتب النبي عليه وآله السلام فإنما عمل عليها لأنها كانت معلومة وهي حجة لأن قوله حجة، وإنما الخلاف في من ليس بمعصوم ولا يدري هل هو كتابه أم لا، يعمل به أم لا؟ فأما كتبه إلى كسرى وقيصر فإنه دعاهم فيها إلى الله والإقرار بنبوته، وذلك عليه دليل غير الكتاب، ولا خلاف عندنا أنه لا يقبل فيه كتاب قاض إلى قاض، والإجماع غير مسلم لأنا نخالف فيه.
فمن أجاز ذلك أجاز كتاب قاضي مصر إلى قاضي مصر، وقاضي قرية إلى قاضي قرية، و قاضي مصر إلى قاضي قرية، لأن أحدا لا يولي القضاء إلا وهو ثقة مأمون، وإذا كان كذلك لم يختلف باختلاف موضع ولايته، فإذا ثبت فكتب قاض إلى قاض كتابا لم يجز أن يحكم بما فيه ولا يمضيه حتى يثبت عنده بالبينات أنه كتاب فلان إليه، سواء وصل مختوما أو غير مختوم، وقال قوم: إذا وصل مختوما حكم به وأمضاه.
فإذا ثبت أنه لا يقبل ولا يعمل عليه إلا بالشهادة، فالكلام في فصلين: في كيفية التحمل وكيفية الأداء:
أما التحمل فإذا كتب القاضي كتابه استدعى بالشهود وقرأه عليهم أو دفعه إلى ثقة يقرأه عليهم، فإذا قرأه الغير عليهما فالأولى أن يطلعا فيما يقرأه لئلا يقع فيه تصحيف أو غلط وتغيير، وليس بشرط لأنه لا يقرأه إلا ثقة، فإذا قرأه عليهما أو قرأه الآخر فعليه أن يقول لهما: هذا كتابي إلى فلان، والاحتياط أن يقول لهما هذا كتابي