فهو أصل، والذي تحمل الشهادة على كتابه فرع له، فهو كالأصل وإن لم يكن أصلا في الحقيقة، وقال من خالف: الحاكم فرع والأصل من شهد عنده، هذا الكلام إذا كان كل واحد منهما قاضيا من قبل الإمام، أو من قبل قاض من قبل الإمام، وإن لم يكن أحدهما من قبل الآخر.
فأما إن كان الكاتب قد كتب إلى من هو من قبله لم يخل الكاتب من أحد أمرين: إما أن يكون هو الإمام أو غيره.
فإن كان الكاتب هو الإمام فتغيرت حال الإمام بموت أو عزل، فإذا وصل كتابه إلى خليفته عمل به وحكم بما فيه، لأن من ولاه الإمام لا ينعزل بموت الإمام ولا يتغير حاله، لأنه إذا ولاه فإنما ولاه ناظرا للمسلمين فينعقد له القضاء، ولا يملك الإمام عزله ما دام ناظرا على السداد، وإذا كان ناظرا للمسلمين لم ينعزل بموت الإمام، لأنه ليس من قبل الإمام.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الإمام إذا مات ينعزل النائبون عنه إلا أن يقرهم الإمام القائم مقامه، فأما بالعزل أو الفسق فلا يصح على مذهبنا لكونه معصوما، وإن كانت هذه الفروع ساقطة عنا لما بيناه من أنه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض.
وإن كان الكاتب غير الإمام وهو قاض، كتب إلى خليفته كتابا ثم مات الكاتب أو عزل ثم وصل الكتاب إلى خليفته قال قوم: يعمل به كما لو كان الكاتب هو الإمام، وقال آخرون: لا يعمل به، وهو الأقوى عندهم لأنه إذا مات انعزل بموته بدليل أن له عزله متى شاء، ويفارق الإمام لأنه لو أراد عزله لم يكن له فكذلك لا ينعزل بموته، والقاضي لو أراد عزل من هو من قبله كان له، فكذلك إذا مات انعزل بموته، هذا إذا كان المكتوب إليه في موضع ولايته.
وأما إن لم يكن في موضع ولايته، مثل أن كان قاضي الكوفة بالبصرة فوصل إليه كتاب بالبصرة، لم يعمل به لأنه في غير موضع الولاية كالعامي، بدليل أنه لا يصح أن يكتب كتابا من ذلك المكان بحكم ولا بشهادته، ولو ترافع إليه خصمان من أهل ولايته لم يكن له النظر بينهما، ولو ترافعا إلى حاكم في موضع ولايته حكم بينهما