يحثهم على أن يأتوه ويتجمعوا حوله فقال مستعجبا: " نغدو عليك؟ " فإن قلت: إن كان إقامة الجمعة من المناصب المختصة وكان إقامتها من قبل الشيعة إعلانا للمخالفة مع خلفاء الجور ومساوقا للخروج عليهم فلم حث الإمام (عليه السلام) مثل زرارة على إقامتها؟
قلت: لعل مراده (عليه السلام) حثهم على إقامتها خفاء أو في بعض القرى القريبة ليدركوا فضل الجمعة ويحرزوا ثوابها، لا إقامتها علنا وجهارا. هذا مضافا إلى أنه لا دليل على أن الحث منه (عليه السلام) وقع بلحاظ إقامة الجمعة، بل لعله حثهم على حضور الجمعات التي كان يقيمها المخالفون أو بعض المنصوبين من قبل الأئمة كما مر بيانه.
فإن قلت: لو كان المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) موجودا لم ينسبق إلى ذهن زرارة أنه (عليه السلام) يريد الخروج بنفسه.
قلت: لعل زرارة كان يظن أن الجمعة التي يقيمها المنصوبون لا تكون بمثابة من الأهمية بحيث يصدر بالنسبة إليها هذه الترغيبات والتحريصات، ولا سيما مع عدم كون الإمام مبسوط اليد، فظن أن هذه التحريصات لحضور جمعة أهم من تلك الجمع، وحيث كان معتقدا لبطلان جمع المخالفين أيضا انسبق إلى ذهنه أنه (عليه السلام) يريد بنفسه الخروج والتصدي لإقامتها.
والحاصل: أنه بالدقة في الحديث يستفاد منه أن زرارة أيضا لم يفهم من حث الإمام (عليه السلام) على الجمعة عدم اشتراطها بالإمام أو كونه (عليه السلام) بصدد الإذن في إقامتها، بل لما كان في ارتكازه كون إقامتها من المناصب المختصة بإمام المسلمين وعماله وأن سائر المسلمين وظيفتهم الحضور والمأمومية فقط، وكان في اعتقاده أيضا أن الإمامة حق لأبي عبد الله (عليه السلام)، ظن أنه (عليه السلام) يريد الخروج وأنه يحثهم على الحضور والتجمع حوله، فقال: " نغدو عليك؟ " ولا نسلم أن قول الإمام في جوابه: " أنما عنيت عندكم " ردع له عن هذا الارتكاز، إذا لاحتمالات المتطرقة إليه كثيرة كما عرفت، ومن