وينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: لا يخفى أن الاحتمال الرابع إنما يتطرق إلى الرواية بالنظر البدوي، وأما بعد الدقة في سياقها ومفادها فيظهر بطلانه، بل الرواية من أدل الدلائل على أن اشتراط الجمعة بالإمام أو من نصبه كان أمرا واضحا مفروغا عنه بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) مركوزا في أذهانهم بنحو لا يشوبه ريب ولا شك، فإن الظاهر من الحديث أن مثل زرارة لم يكن يواظب على فعل الجمعة بل كان يتركها مع كونه قادرا على إقامتها مع نفر يسير من أصحابه على وجه يأمن الضرر، فيظهر من ذلك أن الجمعة لم تكن مثل الصلوات اليومية من الواجبات العينية التعيينية بالنسبة إلى جميع المسلمين وإلا لم يختف على أمثال زرارة. وكيف يمكن أن يقال إن صلاة الجمعة كانت من الواجبات العينية التعيينية ولو مع عدم كون الإمام مبسوط اليد وكان مثل زرارة تاركا لها إلى عصر الصادق (عليه السلام) لاختفائه عليه؟ مع أنه كان قبل ذلك من أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ومن خواصه وملازميه وكان يعد من فقهاء الشيعة.
وبالجملة الحديث من أقوى الشواهد على ما ذكرناه سابقا من أن اشتراط الجمعة بالإمام أو من نصبه كان أمرا مركوزا في أذهان المسلمين من جهة أنهم كانوا يرون من عهد الصغر إلى الكبر أن الخلفاء والأمراء هم الذين يتصدون لإقامتها دون غيرهم من آحاد المسلمين من غير فرق بين الخلفاء الراشدين وغيرهم، وقد ارتكز هذا الأمر في ذهن زرارة أيضا ولذلك تراه بعد ما حثهم الإمام (عليه السلام) على الجمعة وكان من معتقداته أيضا عدم لياقة الجائرين لمقام الخلافة انسبق إلى ذهنه من حث الإمام (عليه السلام) أنه يريد الخروج على الخلفاء والقيام بوظائف الإمامة التي منها إقامة الجمعة وأنه