إقامتها. ولنا على ذلك أمور:
الأول: أن مقتضى القول بعدم الاشتراط ووجوبها على كل أحد مطلقا هو وجوب تعلمها وتعلم خطبتها كفاية على جميع المسلمين في جميع الأعصار ووجوب إقامتها في جميع الأمكنة (من الأمصار والقرى والبوادي النائية المسكونة) في رأس كل فرسخين، فيكون وزانها وزان سائر الصلوات اليومية بحيث يجب على كل مسلم أن يهتم بتعلمها بمزاياها ويسعى في إقامتها بنحو يعاقب الجميع على تركها إذا فرض جهلهم بها.
ومن الواضح عدم كونها كذلك وأن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) لم يكونوا بصدد تعلمها ولم يكونوا يقيمونها بأنفسهم في قبال النبي والأئمة. كيف؟ ولو كان الأمر كذلك لكان عقد الجمعة وإقامتها متداولا بين المسلمين في جميع الأمكنة والأزمنة، وصار وجوبها كذلك من ضروريات الإسلام كسائر الفرائض الصلوات اليومية، واعتاد جميع المسلمين في جميع البلدان على أن يجتمعوا في كل جمعة لإقامتها سواء وجد فيهم من نصب من قبل الخليفة أم لم يوجد، بل لم يكن على هذا للنصب معنى وفائدة. مع وضوح أن عادة المسلمين في أعصار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة (عليهم السلام) لم تكن كذلك، بل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو بنفسه يعقد الجمعة ويقيمها وكذلك الخلفاء من بعده حتى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان الخلفاء ينسبون في البلدان أشخاصا معينة لإقامتها، ولم يعهد في تلك الأعصار أن يتصدى غير المنصوبين لإقامتها وكان الناس يرون من وظائفهم في كل جمعة حضور الجمعات التي كان يقيمها الخلفاء والأمراء والمنصوبون من قبلهم، فكان إذا أقبل يوم الجمعة حضر الخليفة أو من نصبه لإقامتها واجتمع الناس حوله.
فهذه كان سيرة الخلفاء حتى الأموية والعباسية المقلدة لرسوم الراشدين، وذاك