قبال الجمهور القائلين بالتخيير، وإنما أرادوا بسؤالهم السؤال عن الحد الذي يثبت عنده القصر بعد ما ارتكز في أذهانهم تعينه، فلو كان مراده (عليه السلام) ثبوته تخييرا لكان عليه بيانه، فتدبر جيدا.
وأما الثاني فيرد عليه أن التقييد إنما يتصور فيما إذا كان هنا لفظ دال على كون حيثية ما تمام الموضوع للحكم فأريد بدليل القيد بيان كونه جزء منه بمعنى دخالة كل من الحيثيتين في الموضوع، وليس الأمر في المقام كذلك، إذ لا دخل لواحدة من حيثية خفاء الأذان وحيثية خفاء الجدران في موضوع القصر، لما عرفت من أن الاعتبار ليس بأنفسهما، بل كل منهما كناية عن مقدار البعد المعتبر، فلا مجال للإطلاق والتقييد في المقام.
فيتعين الوجه الثالث من وجوه الجمع، أعني تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر، ومقتضاه كفاية حصول كل واحد منهما في الحكم بثبوت القصر.
نعم، يرد على الوجهين الأخيرين من وجوه الجمع أن مرجعهما إلى الطرح، إذ الاحتياج إلى الجمع إنما هو بعد فرض التعارض، وقد عرفت أن التعارض في المقام يتوقف على تسليم أن أحد الحدين كخفاء الأذان مثلا يحصل قبل الآخر، وحينئذ فإن قلنا بمقتضى الجمع الثاني وكون الاعتبار بحصول الحدين معا كان مقتضاه طرح رواية ابن سنان عملا، إذ الفرض حصول خفاء الأذان قبل خفاء البيوت دائما، وإن قلنا بمقتضى الجمع الثالث وكفاية أحدهما كان مقتضاه طرح رواية ابن مسلم عملا، إذ الفرض حصول خفاء البيوت بعد خفاء الأذان دائما.
فالأولى في المقام منع ثبوت المعارضة رأسا كما مر بيانه، ونحكم بكفاية أي من الأمرين حصل أولا كما عليه المشهور من القدماء، فتدبر جيدا.
ثم لا يخفى أن الهمداني (قده) بعد ما ذكر ابتناء فتوى المشهور على تخصيص مفهوم كل من الروايتين بسبب منطوق الآخر قال: " واعترض على هذا الجمع