كون كل واحد منهما سببا مستقلا للترخص؟
في المسألة وجوه.
والحق أن يقال: إن كلا من الجمع والتخيير والترجيح موقوف على التعارض، وأنى لكم بإثباته في المقام، بل لنا أن نمنعه بأحد من الوجهين الآتيين:
الأول: أن التعارض متوقف على تسليم ما ذكروه من حصول خفاء الأذان قبل خفاء الجدران دائما، ونحن لا نسلم ذلك، إذ لم يعلم بنحو الجزم أن المراد بالأذان أذان آخر البلد من ناحية المسافر، أو أذان وسط الشهر، أو غيرهما؟ ثم المعتبر هو الأذان في المأذنة المعدة له، أو مطلق الأذان؟ ثم إن الملاك هو خفاء نفس الصوت، أو عدم تمييز الفصول؟ ثم إن المؤذن يعتبر فيه أن يكون رفيع الصوت، أو لا؟ ولو قيل باعتبار التوسط في هذه الأمور فالأفراد المتوسطة أيضا مختلفة. ثم إن الاعتبار في الأمارة الثانية بتواري المسافر من البيوت كما هو مقتضى الرواية لا بتواريها منه، لو سلم فليس المراد بالبيوت: البيوت المتداولة في زماننا، بل البيوت التي تقرب في الطول طول قامة الإنسان أعني بيوت الأعراب والقرى المتداولة في عصر صدور الرواية، وخفاؤها لا يتوقف على طي مسافة كثيرة، ولو سلم فلا أقل من شمول إطلاق البيوت لمثل هذه البيوت أيضا.
وعلى هذا فبعد ما تفاوت أفراد الأذان تفاوتا فاحشا لعل ما أريد منها واقعا يلازم تواري المسافر من البيوت أو تواريها منه، أو لعل كلا من الحدين قد اعتبر بعرض عريض بحيث يلازم بعض مراتبه بعض مراتب الحد الآخر. وبالجملة ليس لكل من خفاء الأذان أو البيوت حد معين مشخص لا يحتمل الزيادة والنقصان حتى يحكم بالمقايسة بينهما أن أيا منهما يحصل قبل الآخر. وقد عرفت أيضا في مطاوي كلماتنا أن الاعتبار ليس بنفس الأمرين المذكورين وفعليتهما، بل جعل كل منهما كناية عن مقدار من البعد. فالرواية الأولى تدل على أن الملاك في ثبوت الترخص