وروى الشيخ بإسناده عن الصفار، عن عبد الله بن عامر، عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن التقصير؟
قال: " إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم، وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك. " (1) والمراد بالبيوت في الرواية الأولى: المجتمع الذي توطن فيه هذا المسافر، من الخيم المجتمعة أو الدور المتلاصقة التي لا يطلق على هذا الشخص ما دام فيها عنوان المسافر وإن كان البلد المتحصل منها معظما. هذا.
ولا يخفى أن المذكور في الرواية الأولى يخالف ظاهرا لما ذكره الأصحاب، إذ المذكور في كلماتهم تواري الجدران من المسافر، والمذكور في الرواية تواري المسافر من البيوت، والمتبادر من تواريه من البيوت عدم رؤية البيوت إياه، لو فرض كونها مبصرة، أو عدم رؤية أهلها إياه، نظير قوله تعالى: (واسأل القرية). (2) وبالجملة الحديث يدل على اعتبار غيبوبة المسافر عن البلد لا غيبوبة البلد عنه.
فإن قلت: لعلهما متلازمتان خارجا، وكلام الأصحاب مبني على التعبير عن الشيء بلازمه.
قلت: لا نسلم تلازمهما، فإن تواري المسافر عن البيوت يحصل قبل تواري البيوت عنه، من جهة أن الجسم كلما كان أصغر جثة وأقصر كان من الخفاء أقرب، فالمسافر لصغر جثته يتوارى من أهل البيوت قبل أن يتوارى البيوت منه. هذا.
ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بوجوه:
الأول أن اشتهار التعبير بتواري الجدران يكشف عن وجود نص واصل يدل عليه، أو عن كون هذا النص الواصل على خلاف ما وصل إلينا متنا، وحينئذ فيكون الاعتبار بما اشتهر بين الأصحاب.