بوصف السفر الذي هو عبارة أخرى عن البعد عن الوطن ولذا يحكم عليه بأحكام المسافر. وعلى هذا فإذا تبدل قصده وجب عليه العمل بالوظيفة اللاحقة.
ومن أن السفر حقيقة هو السير المبعد عن الوطن، والنازل في منزل للاستراحة لا يتصف بوصف المسافرة باعتبار كونه بالفعل مشغولا بإيجاد فعل السفر، لا باعتبار السير اللاحق لعدم تلبسه به بعد، بل باعتبار كونه في السابق مشغولا بالسير المبعد عن الوطن وبقاء البعد الحاصل به. وعلى هذا فكما يكون انطباق هذا العنوان عليه فعلا بتبع السابق فكذلك يكون تابعا له بحسب الحكم. فمن كان في أول سفره بقصد الطاعة مثلا ثم تبدل قصده في أحد المنازل لا يصدق عليه كونه مسافرا في معصية الله وكون مسيره مسير باطل ما لم يسافر من هذا المنزل ولم يخرج منه بالقصد الطارئ، فكيف يحكم عليه بحكم سفر المعصية. هذا.
ولكن يتوجه على هذا البيان ما أشير إليه من منع كون السفر عبارة عن خصوص السير في الأرض وكون إطلاقه على الإقامة بتبع السير السابق، بل الحق أنه عنوان ينطبق على مجموع السير والإقامات المتخللة في أثنائه. فالشخص في حال الوقوف في أحد منازل السفر أيضا يصدق عليه عنوان المسافر حقيقة من دون نظر إلى السير السابق أو اللاحق، إذ الملاك في صدقه ليس إلا البعد عن الوطن، وهو حاصل في حال الوقوفات المتخللة أيضا. وإذا صدق عليه في هذا الحال عنوان المسافر - والمفروض أيضا تبدل قصده وتبدل العنوان أيضا بسبب تبدله - صار بحسب الحكم تابعا للعنوان الطارئ من المطيع أو العاصي، فافهم.
ولقائل أن يقول بثبوت الإتمام في كلا الفرضين. وبيان ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، وهي أن الأصل في الصلاة بحسب وضعها وطبعها هو الإتمام، والقصر يتوقف على مؤونة زائدة ومقتض خارجي، وإتمام العاصي بالسفر أيضا ليس لجهة العصيان بأن يكون عنوان العصيان مقتضيا للإتمام، بل غاية ما في الباب أن طروء هذا العنوان