لوضوح انسداد بابهما للأغلب إلا من شذ وندر في مثل هذا الموضوع، ووضوح بطلان العمل بالأصل أو الاحتياط لأغلب المسافرين، لما عرفت من كون الشارع مريدا لثبوت الرخصة لهذا القبيل من المسافرين أيضا، بحيث يعلم بكون الإتمام أو الاحتياط مرغوبا عنه.
ومما يؤيد هذا الدليل أن الأئمة (عليهم السلام) عبروا عن المسافة الواقعية الموجبة للقصر تارة بالبريدين، وأخرى بالأميال، وثالثة بالفراسخ، ورابعة بمسيرة اليوم. وقد عرفت سابقا أن الأصل في ذلك هو أنه كان للسلاطين في كل زمان أشخاص معدة لنقل الرسائل والكتب، وكان في الطرق العامة على رأس كل أربعة فراسخ محل مخصوص هيء فيه المركوب والبريد، فكان إذا بلغ حامل المكاتيب إلى هذا المحل نزل لاستراحة نفسه ومركوبه، وحول المكاتيب إلى شخص آخر موجود في هذا المحل، فركب هذا الشخص المركوب المهيأ قبلا وذهب مقدار أربعة فراسخ وحولها إلى آخر، وهكذا. وكان يسمى حامل المكاتيب بريدا، ثم استعمل بالعناية في نفس المسافة الواقعة بين هذا المنزل وذاك. وكانوا يضعون على رأس كل فرسخ الحجر على شفير الطريق للعلامة، ويسمون الموضع بالفارسية " پرسنگ "، ثم عرب فصار فرسخا، وعلى رأس كل ثلث منه ميلا ومنارة يوقد عليها النار لهداية المسافرين، يسمونه ميلا، ثم استعمل الفرسخ والميل بالعناية في نفس المسافة الواقعة بين الحجرين أو الميلين.
وكيف كان فجميع هذه التعبيرات الأربعة الواردة في الروايات تعبيرات مختلفة عن المسافة الواقعية التي هي أمر واحد، ويحتمل جدا تخطيها عنها ومع ذلك ذكرها الأئمة (عليهم السلام) لأصحابهم في مقام تحديد المسافة، ولا محالة كانوا يعتمدون في أسفارهم على الأميال المنصوبة والأحجار الموضوعة والأمكنة المعدة لنزول البرد، وعلى سير القوافل، اعتمادا على ما ذكره الأئمة (عليهم السلام) مع أنهم لم يكونوا