فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه، فهل عند الضروريات من حيلة؟
فقال: ما تريد بهذا القول، وما تعني بهذه الإشارة؟
قلت: ما قال عارف قط يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة (يقصد الفوقية)، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة فبينها نتخلص من الفوق والتحت).
وفي رواية الذهبي قال الهمذاني:
(فهل عندك دواء لدفع هذه الضرورة التي نجدها؟ فقال: يا حبيبي ما ثم إلا الحيرة، ولطم على رأسه، ونزل، وبقي وقت عجيب، وقال فيما بعد:
حيرني الهمذاني).
أقول: هذه حكاية مكذوبة موضوعة: وإن صحت فمعنى الكلام:
حيرني هذا الجاهل الذي لا يفهم ولا هو مستعد لأن يفهم!! والقضية بسيطة جدا إذ لا نعجز نحن عن الإجابة عليها فضلا عن إمام الحرمين!! فأما قوله فيها (ما قال عارف قط: يا رباه إلا وقام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة، يقصد الفوقية) فغير صحيح، لأن هذا يتضمن أنه اطلع على بواطن العارفين وهذا كذب ظاهر!! وإنما قاس هذا الرجل بواطن العارفين على باطنه الذي تشرب العقيدة الفاسدة!! فهل هذا الرجل * (اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا) *؟!
والأصل في هذا الباطن الذي تام عند هذا الرجل وأمثاله هو قياسهم الخالق المنزه عن الجهات على المخلوق المتصف بها!! ولذلك فكل من لم يتمكن من فهم العقيدة الإسلامية الصحيحة تخطر له هذه الخواطر في باطنه!! وأحيانا يرد على قلوب بعض البشر أشياء باطلة (يلقيها الشيطان في القلب) يجب أن يعتقد الإنسان حين ورودها على قلبه أنها باطلة كما يجب عليه أن يكرهها ويستعيذ بالله تعالى منها، ومن هذا الباب قول النبي ص للصحابة فيما رواه البخاري (6 / 336)