وقد ادعى بعض العلماء بأن أحاديث الرؤية متواترة والواقع أنها ليست كذلك بعد التتبع، قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (13 / 434):
[جمع الدارقطني طرق الأحاديث الواردة في رؤية الله تعالى في الآخرة فزادت على العشرين، وتتبعها ابن القيم في " حادي الأرواح " فبلغت الثلاثين وأكثرها جياد، وأسند الدارقطني عن يحيى بن معين قال: عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية صحاح].
قلت: ليست الأحاديث بجياد ولا صحاح، ولم يستطع أن يصرح بتواترها كأحاديث الشفاعة والحوض، وأما ما ذكره عن الدارقطني فلم يثبت لأن الكتاب الذي جمع الدارقطني فيه الطرق مدسوس على الدارقطني على الصحيح الراجح ولم يثبت عنه كما بينت ذلك في رسالة خاصة صنفتها في ذلك وهي مطبوعة في آخر كتاب " دفع شبه التشبيه " ص (289) وأسميتها " البيان الكافي "، والأحاديث التي في ذلك الكتاب ذكرها ابن القيم وزاد عليها، وقد تتبعت ما ذكره ابن القيم في " حادي الأرواح " (من ص 260 - 303) ونظرت في متون وأسانيد تلك الأحاديث التي أوردها وأكثرها ضعيف أو موضوع، ولم أجد ما يصح التمسك به إلا حديث جرير في الصحيحين وحديث أبي موسى وهو مشكل، وباقي الأحاديث مشكلة جدا، وبعضها شاذ مردود لا يصح الاستدلال به كحديث أبي سعيد وأبي هريرة الذي في الصحيحين والذي فيه " فيأتيهم في غير صورته التي يعرفون.. " الحديث المعروف، وقد تكلمنا عليه وبينا شذوذه في التعليق على " دفع شبه التشبيه " ص (157) وفي هذا الكتاب وبقية ما ذكره من الأحاديث وهو أكثرها ضعيف منكر أو موضوع تالف.
وبالجملة فإن ما ذكره ابن القيم ينقسم إلى أربعة أقسام (الأول): أحاديث صحيحة تنص على إثبات الرؤية ولا يستقيم منها إلا حديث واحد وهو حديث جرير وهو آحاد. (والثاني): أحاديث في الصحيحين إما شاذة أو فيها ألفاظ منكرة وتصرف رواة فلا يصح استدلال بها. (والثالث): أحاديث صحيحة