والسنة، فشرب الناس في الجنة كيف يكون مع أنهم ارتووا من الحوض ولن يظمأوا بعد ذلك؟!
قلنا: هذا مردود والجواب عليه: أن الظمأ في لغة العرب هو أشد العطش، والمؤمنون متى دخلوا الجنة لن يصيبهم ظمأ كما كان يصيبهم في الدنيا أحيانا عند انقطاع الماء، عنهم، فشربهم في الجنة على وجه التلذذ والتمتع لا على وجه شدة العطش، وذلك لأنهم متى أصابهم العطش قبل اشتداده عليهم أتاهم الله تعالى بالماء وغيره مما أعده لهم من الشراب الطيب في الجنة، فالخدم بين أيديهم متى عطشوا وقبل أن يشتد بهم العطش جاءهم الولدان المخلدون بما يشتهون، قال تعالى (يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين) الواقعة: 18، وقال تعالى: (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) إلى قوله (وسقاهم ربهم شرابا ظهورا) الإنسان: 21، وقال تعالى:
(يطاف عليهم بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين) الصافات: 46.
(الإشكال الثاني): قال بعضهم كيف يكون الحوض بعد الصراط عند من يثبت وجود صراط بمعنى الجسر المنصوب على ظهر جهنم والذي يمر عليه الناس، ثم ينجو من الوقوع في النار جماعة من المرتدين والمنافقين الذين يذادون عن الحوض ويمنعوا من الشرب منه، فلا يقعون في النار ويجوزون الصراط ولا تأخذهم الكلاليب التي عليه؟!
قلنا: أولا: الجسر المنصوب غير ثابت بل غير موجود على التحقيق كما بيناه. وثانيا: ينبغي أن يقال الصواب عند من أثبت الجسر أن الحوض قبل الصراط لا بعده ولا يشرب منه إلا الذين سبقت لهم الحسنى، ويذاد عنه من ذكروا في الأحاديث التي قدمناها، فالحوض قبل الصراط لا بعده، وعلى القول الصحيح المختار نقول:
إن الحوض في أرض المحشر فيشرب منه المؤمنون عند الحساب وعند رؤيتهم